الذين يزعمون أن اللغة العربية هي لغة أجنبية عن هذه البلاد هم قوم متعصبون يتجنون على الحقيقة كما يتجنون على أنفسهم، ويسيئون إلى الحقيقة بقدر ما يسيئون إلى بلادهم. . . فلقد أثبتت اللغة العربية حيويتها وصلاحيتها لسكان وادي النيل فلم يمضي قرن أو قرنان بعد فتح العرب مصر حتى كان المصريون جميعاً. . . بما فيهم سكان الأديرة والواحات، يتكلمون اللغة العربية ويعجبون بطواعيتها، وقيامها بأغراض حياتهم قياماً كاملاً غير منقوص، فأنسوا لغتهم الأصلية وآثروا عليها اللغة اللينة السهلة التي مرت بها ألسنتهم في غير مشقة، وأسلست لهم في غير عسر. . . ولتكن أسباب انتشار العربية في مصر ما تكون، فما لا جدال فيه أن المصريين لم يرغموا على التكلم بها وأنهم لم يتعاظمهم أن يهجروا لغتهم إلى لغة الغزاة الفاتحين برغم ما في هذا الترك من مرارة على أنفسهم، وبالرغم مما في تعلم لغة جديدة من عنت وإرهاق
إن انتقال أمة بأكملها، بل أمم كثيرة، من لغة إلى لغة هو ضرب من السحر لا يفسره إلا امتياز اللغة الجديدة وتفردها بفضائل ليست للغة القديمة. وإذا احتج أحد بالعامل الديني لم يستطع تعليل إبقاء الملايين من مسلمي الهند والترك وغيرهم على لغاتهم، ثم لم يستطع تعليل فناء اللغات القديمة في العربية التي جذبت إليها الأقليات الدينية فعربوا كتبهم المقدسة وأغفلوا اللغات الأصلية التي كتبت بها مع ما يكنونه لأصول هذه الكتب من إعزاز وتقديس
هذه مقدمة أوشكت أن تغرينا بكسر الكلام على اللغة العربية وصرف النظر عن المسرح. . . على أننا نعود فنتساءل: هل تصلح العربية أن تكون لغة للمسرح المصري. . . ولست أدري لماذا لا نتساءل: هل تصلح اللغة العامية أن تكون لغة هذا المسرح؟
أما السؤال الأول فله أعداء كثيرون قامت عداوتهم على روح شعوبية منكرة، كما قامت على كراهية للغة العربية التي هم ضعفاء فيها أغلب الأمر، والتي لا علم لهم بأسرارها ولا ذوق أصيل يغريهم بطلاوتها وحلاوتها، وكل أولئك الأعداء هم ممن شدوا لغة أجنبية