تحدثنا في مقال سابق عن بعض الأسماك التي تجلت فيها غريزة الحنان، فدفعتها إلى القيام بالمحافظة على بيضها والصغار التي تخرج منه، وألممنا ببعض الطرق الطريفة التي تقوم بها هذه الأسماك في سبيل حماية نسلها.
وسنرى في حديث اليوم كيف أن تلك الغريزة تدفع بعض الأسماك إلى القيام ببناء مأوى لصغارها يقيها شر هجمات عدو يفترسها، حتى يستقيم عودها وتستطيع أن تذود عن نفسها. وأشهر هذه الأسماك هي المسماة:(ذات الأشواك الظهرية)؛ ففي النوع ذي ثلاث الشوكات على الظهر، يتجلى نشاط الذكر في الربيع والصيف بأن يقوم ببناء عش على أرض عمقها قليل، والمواد المستعملة في بنائه هي النباتات المائية، والحشائش والقش وغيرها؛ ويشد بعضها إلى بعض مادة مخاطية يفرزها الذكر، ولهذا العش فتحات جانبية؛ فإذا انتهى من بنائه أخذ يبحث عن أنثى يدعوها لتضع بيضاً في هذا العش، فان لم تخضع، أخذ يطاردها بعنف إلى أن تذعن لأمره. وقد يحدث أنها لا تضع من البيض الكمية التي يقنع الذكر بها، عندئذ يبحث عن أنثى أخرى لتزيد كمية البيض، ويقوم بتنظيم وضع البيض في العش، ويخفره ومحتوياته الثمينة ليل نهار. وإذا اقترب غريب منه أثخنه بالجروح بفعل أشواكه ليحمي عشه، حتى إذا كبرت صغار السمك هدم الأب الجزء الأعلى من العش، واستطاعت الصغار أن تنطلق في الماء تسعى لرزقها
ولعل أطرف عش يبني هذا الذي تعمله سمكة الجنة التي تعيش في الصين، وليس هذا العش إلا فقاعات هوائية يخرجها الذكر من فمه ويتماسك بعضها ببعض بمادة لزجة، فإذا تم بناء هذا العش العجيب العائم على سطح الماء احذ الذكر يبحث عن أنثى، فإذا ما وفق ابتدأت تضع البيض واحدة واحدة يلتقطها الذكر بفمه ويرفعها إلى العش، ويلتصق هذا البيض بالمادة اللزجة. ولما كانت الأنثى شرهة تأكل بيضها إن لم يحمه الذكر، فإنه يتولى المحافظة عليه حتى يفقس، ويظل لمدة أسابيع أخرى يرعى صغاره خشية أن تنقض الأم عليها وتأكل أولادها