أما آن للتاريخ أن ينصف هذا المصري الفلاح وأن يحدد له
مكانه بين قواد حركتنا القومية؟
للأستاذ محمود الخفيف
ولست أدري كيف كان يطمع بلنت في أن يقنع غلادستون بالعطف على قضية الأحرار في مصر، وقد كان رجال السياسة في إنجلترا يسعون ما وسعهم السعي إلى الاستيلاء على مصر منذ أن التقى البحران، وهو إنجليزي لا تخفى عليه نيات الإنجليز وأساليبهم تجاه الشعوب الشرقية؟
إني أفهم أن تجوز ألاعيب السياسة الإنجليزية على أولئك الإغفال من أهل الشرق الذين أذهلهم ما هدهم من ضعف عن الحقائق فصدقوا الباطل وهم يجهلون، أو الذين غرتهم بأوطانهم زخارف العيش ووساوس النفس فانغمسوا في الباطل وهم يعلمون؛ أما أن تجوز الأباطيل على إنجليزي عليم بالسياسة وأوضاعها فهذا ما لا أفهمه، ولذلك فلولا ما تأكد لدى من إخلاص مستر بلنت لقضية الوطنيين حتى قضى الاحتلال فيها قضاءه لارتبت في نياته كما أرتاب في نيات الساسة من أهل بلاده أبداً.
وكأن القدر يأبى إلا أن يظهر بين حين وآخر من الإنجليز أنفسهم من لا تطغى على ضمائرهم خدع السياسة، أو يشوه الجانب الإنساني من نفوسهم أوضار العيش، فيكون من هؤلاء حجة على المرائين الماكرين من بني قومهم، ويكونون بينهم شهوداً من أهلهم عليهم تنبعث أصواتهم مجلجلة فتملأ أسماع أولئك الساسة الذين يوصدون أسماعهم دون أصوات الشعوب المغلوبة على أمرها مهما بلغ من قوة انبعاثها؛ ومن هؤلاء الأحرار روثستين وبلنت ومن حذا حذوهما.
قدر على شريف أن يلاقي عنتاً شديداً من مسلك الخديو من أول الأمر! وأخذت وزارته تشق طريقها في حذر شديد بين تلك الصعاب القائمة، وكان أعظمها دسائس الأجانب وتوثبهم في ذلك الوقت، ولقد هال هؤلاء الأجانب انبعاث الروح الوطنية إذ رأوا فيها