لثلاثين عاماً خلت وأمنيتي الوحيدة الاشتراك في موكب الحجيج والذهاب إلى مكة، حيث بزغ فجر الإسلام، وانتشرت دعوة النبي الكريم وتعاليمه المقدسة. وقد انبثق في نفسي هذا الشعور أثر مشاهدتي رسوماً فوتوغرافية نشرت في إحدى الصحف الأوروبية الكبرى عن سياحة قام بها أحد الرحالين وتحدث فيها عن عجائب الشرق حيث تسطع الشمس طول النهار، ويريق القمر أشعته الفضية فوق رمال الصحراء في الليل.
وكان الأثر الذي تركته هذه الرسوم والمناظر الفتانة عميقاً في نفسي وباعثاً لإقبالي على تعلم اللغة التركية، وعلى زيارة الشرق مهد الديانات الحديثة ومهبط الوحي المقدس.
ولكن الأمور جرت في شيء من البطء، أي أكثر مما تخيلته في البدء، فمشاغل الحياة والواجبات اليومية الملقاة على عاتقي وقفت عقبة في سبيل تحقيق تلك الأحلام الذهبية التي تطوف بذهني وتجذبني نحو الإسلام. . . وأخيراً دعيت إلى زيارة الهند حيث قضيت بين ربوعها سنوات ثلاثاً لإلقاء محاضرات عن التأريخ في جامعاتها، وهناك اعتنقت الدين الإسلامي في مسجد دلهي العظيم، ومن تلك الساعة أحسست من أعماق روحي بأنني أقترب من الغاية التي أرنو إليها بحيث يصبح في مكنني الطواف بالبقاع الإسلامية المقدسة في مكة، والتعريج على المدينة مقر القبر النبوي الطاهر ومثوى سيد الحق. . . .
ولكن كيف أذهب إلى الحج وأنا لا أعرف من العربية حرفاً واحداً؟. . . . كيف أدرس (أم اللغات) وأنا في أوربا وبالأخص في بلاد نائية كالمجر لا يوجد بها من يتكلم بهذه اللغة التي هي في نظري أصعب من تعلم أربع لغات أوروبية معاً!!؟ وتلك لعمري كانت من أقوى العقبات التي وقفت حائلاً بيني وبين تنفيذ رغبتي أو تحقيق أمنيتي في حينها.
على أنه كان لي من قوة الأيمان وثبات اليقين ما دفعني إلى الإقبال على تعلم هذه اللغة مهما بلغت العقبات وقامت الصعاب، فبدأت أولاً أدرس العربية بدون معلم وبواسطة كتب