للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج:
ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

[القصص]

من الأدب التركي

فتاة الصحراء

رآها اليوم مرة في صحراء فلسطين فاحبها وتزوجها، ونقلها من تلك الصحراء المقفرة الهادئة، من وطنها العزيز إلى وطنه استنبول، إلى ضوضاء المدن وجلبتها.

عاش الزوج سنين طويلة في البلاد النائية، في الأماكن البعيدة عن وطنه، ثم عاد ومعه كنز حبه، تلك الفتاة التي تشبه زهرة ذابلة، والتي نشأت وترعرعت في الصحراء بجانب نخلة عارية وفوق رمال حارة، عاد بها إلى استنبول تلك البلدة العظيمة التي تجمع أصنافاً من الناس وأنواع من البشر، وتعج بمن فيها من السكان. أراد أن يجد لها في استنبول العظيمة مكانا تعيش فيه هانئة لا تذبل فتنصل ولا تجف فتسقط.

كان متوسط الحال، فهو لا يستطيع أن يقدم إليها في بلد كاستنبول حياة صحراوية، فلابد له ان يجد لها في أقاصي البلدة مكانا هادئا منزويا.

لم يتركا مكانا في أستا بنول ولا محلة إلا بحثا فيها عن دار فلم يجدا ما يوافقهما، وبالأحرى لم تجد الزوجة ما يلائمها وما يلائم روحها الصحراوية، وكانت تظنانها إذا بحثت كثيرا في أنحاء البلدة العظيمة وجدت منزلا في روح الصحراء.

كلما زارا دارا كان ينظر الزوج بطرف عينه إلى زوجته ليرى في عينيها الصافيتين ما ينطبع فيهما من انقباض أو انشراح، إلا إنها كانت بعيدة الغور لا يظهر في عينيها ما يجول في قلبها. وكان زوجها أيضاً يود من صميم فؤاده أن يجد مكاناً ترى فيه فتاة الصحراء ولو شيئاً صغيراً يذكرها بالصحراء وطنها العزيز.

وفي يوم من الأيام نهضا صباحاً ليذهبا إلى دار قيل لهما إنها موافقة لرغائبهما وهي في محلة (السلطان أيوب) فذهبا إليها وتسلقا الهضبة التي قامت عليها تلك المحلة حتى بلغا الدار المقصودة، كانت الزوجة كعادتها لا تبدي اعتراضاً أبداً، بل كانت تمشي بجانبه كآلة صماء، وقد تعبت من البحث عن الدار التي تريدها في تلك البلدة التي لم تر أولها ولم تعرف آخرها.

كانت الدار صغيرة مشرفة على البحر فيها غرفتان وبهو وحديقة صغيرة، وكانت فتاة

<<  <  ج:
ص:  >  >>