[شعر البارودي في منفاه]
(تتمة ما نشر في العدد الماضي)
للأستاذ أحمد أحمد بدوي
كان البارودي في أول عهده بالنفي متحفزاً متوثباً، بل كان ثائرا مهددا، يرى إنه لم يقترف ما يستحق النفي من أجله، غير إنه دافع عن دينه وعن وطنه، وليس ذلك ذنبا يستحق أن يحاسب عليه ويغترب، وهو لذلك غير نادم على ما قدم، وغير خاطئ فيما فعل، وحسبك أن تقرأ هذه الأبيات لترى فيها الثورة النفسية العنيفة:
ومن عجائب ما لاقيت من زمني ... أني منيت بخطب أمره عجب
لم اقترف زلّة تقضي علي بما ... أصبحت فيه فماذا الويل والحرب
فهل دفاعي عن ديني وعن وطني ... ذنب أدان به ظلما وأغترب
فلا يظن بي الحساد مندمة ... فإنني صابر في الله محتسب
أثريت مجدا فلم أعبأ بما سلبت ... أيدي الحوادث مني فهو مكتسب
إني امرؤ لا يرد الخوف بادرتي ... ولا يحيف على أخلاقي الغضب
وما أبالي ونفسي غير خاطئة ... إذا تخرص أقوام وإن كذبوا
بل إن شعره الذي قاله في تلك الفترة الأولى ليدل على إنه كان يؤمل قيام ثورة تعيد إليه مجده، وكان قوي الثقة في أن أنصاره سيرغمون خصومه بقوة السيف على أن يعود البارودي إلى السلطة التي ترضاها العلا، نرى ذلك حين يقول:
قحتّام نسري في دياجير فتنة ... يضيق بها عن صحبة السيف غمده
إذا المرء لم يدفع يد الجور إن سطت ... عليه، فلا يأسف إذا ضاع مجده
ومن ذَلَّ خوف الموت كانت حياته ... أضر عليه من حمام يؤدّه
وأقتل داء رؤية المرء ظالما ... يسيء ويتلى في المحافل حمده
علام يعيش المرء في الدهر خاملا ... أيفرح في الدنيا بيوم بعده
وإني امرؤ لا أستكين لصولة ... وإن شد ساقي دون مسعاي قيده
ولابد من يوم تلاعب بالقنا ... أسود الوغى فيه وتمرح جرده
يمزق أستار النواظر برقه ... ويقرع أصداف المسامع رعده