يا أشقاءنا الأعزة في أعالي الوادي! ما بال نفرٍ منكم يريدون أن يقطعوا ما أمر الله به أن يُوصَل؟ نحن وأنتم شعب واحد ما في ذلك غلو ولا تجوٌّز. خلقنا الله جميعا من هدا النهر المبارك: من صلصال أرضه ومن سلسال مائه؛ ثم سوَّانا على صور تتشابه في الطباع والملامح، حتى في اللون، فلا يكاد يختلف إلا في الريف لكثرة ما تقلب عليه من أمم الأرض؛ ثم أورثنا هذا الفردوس الأرضي، وارتضى لنا الإسلام دينا والعربية لغة، فكيف يصح في الدين أو في العقل أو في الطبيعة أن يساعد هذا النفر هذه الحية الحمراء على أن تغويكم بالوقعية، وتغريكم بالقطيعة، وتمنيكم شجرة الخلد وملك الأبد؟
إن حية الإنجليز ليست من طينة السودان ومصر، كما أن حية إبليس لم تكن من طينة حواء وآدم. إنما هي واغلة متطفلة، غايتها الاستئثار بجنات الدنيا، ووسيلتها الاستعانة بالحُوَّ الغريرات من صاحبات الهوى وطالبات اللذة. فإذا أصغيتم إلى وسوسة الفجَرة، وأكلتم من ثمار هذه الشجرة، هبطنا جميعا من الجنة بعضنا لبعض عدو، وتنفرد الحية بأعلى الفردوس لتقبض به على أسفله، ثم تأمر المستر رضوان أن يفتح أبوابه الثمانية لعلوج السكسون، وشذاّذ اليهود، ومفاليك الروم، وصعاليك الأرمن، ليجعلوا لها من ثرى الوادي ومجاريه وصحاريه ما لا عين رأت ولا أذن وعت.
لقد خدعت الحية هذا النفر بحق تقرير المصير! ومن قبل زعم إبليس
أنه يقرر مصير آدم إلى عيش لا يفنى ومُلك لا يبلى، فأصاره إلى هذا
الكوكب الشقي المظلم الذي لإبقاء فيه ولا دوام له! وهل معنى تقرير
المصير لكم إلا أن تكونوا لجنوب أفريقية وجورج السادس، بعد أن
كنتم لشمال القارة وفاروق الأول؟ إن مصيرنا ومصيركم قرره رب
السماوات والأرض، منذ أجرى الحياة في هذه الصخور الموات، وجعل
بين عُدْوتَي هذا الوادي المقدس وحدة بشرية متماسكة لا ترى مجالها
الحيوي إلا على ضفافه، ولا تجد قوتها الضروري إلا في شواطئه