سألت نفسي بعد تأمل وتفكير:(ماذا يكون لو أمكن كلُّ إنسان أن ينكمش حتى يختفي في قلبه، وأمكن قلبه أن يتسع حتى يحويه؛ فيظهر للناس عارياً لا يكسوه إلا الشغاف، ويصبح الشخصُ المنطوي على قلب قلباً منطوياً على شخص، وتمشي القلوب وتنتقل، وتدب حيث تحب؟ أتنكشف السرائر، وتسفر الخفايا، وتباح الأسرار؛ ويستطيع كل قلب أن يعرف ما له عند الآخر بغير حاجة إلى رسول بينهما قد يصدق وقد يكذب، ويتبين المرء ما يكنُّه له حبيبه أو صديقه خالياً من الزيف والرياء؟).
وكان سؤالا غريباً جديداً، فحيرني الجواب عليه؛ ثم رأيتني في الرؤيا أجرب هذا. . . فانقبضتْ أطرافي إلى بدني، وانحصر بدني في قلبي، فأصبحت قلباً ومضيت لشؤوني في الحياة؛ ووجدتني مقبلاً عليها بتلهف وشوق كما يقبل على الحرية سجين أطلقوه. فهو يندفع إليها بقوة، ويتقلب على رحبها بشغف، كأنه يريد أن يجنح فيها فيملأها. وهي تتلقاه هاشة باشة، وتتفتح له حيث اتجه، وكأنها تريد أن يمتزج بها فيصير منها.
ثم وجدتُني هنا وهناك طلْقاً موزّعا متحيراً لا أستقر، ولا أعرف كيف استقر، ولا أفهم معنى الاستقرار. وزعمت أنني لم أوجد في الحياة إلا لأتحسس الجمال وأتلمس الحب، وخيَّل إلى وهمي أن الجمال في كل لحظة يناديني، وأن الحب في كل بقعة ينتظرني؛ فجننت بالجمال والحب، وحلَّقتُ في سمائها بأجنحة الخيال حتى كدت أتحطم أو تحطمتُ. . بين شقاء يجرُّني إليه الهجر، وشقاء يجرني إليه الوصال.
ورأيت العيون من حولي تلتهمني بنظرات هي التعجب والاستغراب، وكأنها تتخاطب قائلة:(ما لهذا القلب لا يهدأ؟) حتى كادت تشعرني بأنني وحدي أصفق للجمال وأخفق بالحب. ولكني لم أحفل بالنظرات ولم أهب العيون، وسرت في طريقي كما أنا قلباً مهموماً شديد الخفقان.
ثم رأيتني مدعوَّا إلى مؤتمر دعيتْ إليه القلوب جميعاً؛ ففرحتُ بهذه الدعوة ونشطت إلى الائتمار. وتوافدنا نحن القلوب يسابق بعضنا بعضاً، ويحمل كل منا في أعماقه ما يحمل.
فهذا قلب صاف لا رنق فيه ولا غبار عليه؛ وهذا قلب درِنٌ غلب على بعضه الدرنُ وغلب