مدام رولان، أنقى شخصيات الثورة الفرنسية، لا تزال تدوي كلماتها الأخيرة وهي تصعد درجات المقصلة في كافة الأرجاء.
وهي مانون ابنة مثال باريسي يدعى فيلبون، وكانت غرفتها ملاصقة (لاستيديو) النحت، تقضي فيها وقتها منهمكة في قراءة تراجم أبطال التاريخ. أبكاها يوماً أنها لم تكن رومانية أو اسبرطية، وقد جهلت أنها سوف تواجه أزمة لم يواجه مثلها أحد ممن كانت تحلم أن تكون مثلهم من أبطال التاريخ.
وكان يسرها كثيراً فوق قراءة الكتب اصطحاب أمها لها إلى حديقة النبات أو اللكسمبورج في باريس، عشقت القرية، ويدل على ذلك قولها (إنني أحب هذا السكون الذي لا يعكر صفوه غير صياح الديكة، وأشعر بالراحة التي تشعر بها شجرة ينقلونها من صندوق ضيق محدود إلى حقل واسع فسيح) وأحبت الرسم الذي يأخذك منه سحره وقوته. غير أنها لم تواصل عمل أبيها في النحت طويلا، لأنها مالت إلى العلوم، فكانت تنمي بما تقرأه وتلحظه من تجارب الحياة عقلا ناضجاً خدمت به الصالح العام.
أدخلت وهي في الحادية عشرة من عمرها ديراً تعرفت فيه بصديقتين حميمتين توثقت بينهن عرى الصداقة وهما: هنريت وصوفي كانيت. وبعد أن خرجن من الدير ورجعن إلى دورهن بقى الاتصال بينهن وثيقا، وذلك ما حدا بجدة مانون إلى أن تقول لها (ستنسين صديقتيك حالما تتزوجين) وسنرى مقدار صحة هذه الملاحظة من جانب الجدة العجوز.
ورسائل مانون أحسن وسيلة نرى منها صورة واضحة لشباب هذه الفتاة، فقد تحول اهتماماً بالدين إلى تعشق الفلسفة، ساعدها على ذلك عقل جبار يغلي كالمرجل ولا يستريح. وقد انتقت من بين خطابها العديدين رجلاً توهمت أنها تميل إليه، وهو مؤلف فيلسوف يدعى لابلانشير، ولكن سرعان ما ألقت عن نفسها هذا الميل واطرحته جانباً، غير واجدة فيه مثلها الأعلى. وكانت جد كلفة بكتابات روسو، وقدر لها أن تراه، وقد وصفت درجات سلم داره (. . . كما لو كانت درجات سلم معبد).