تلك هي الوثيقة التاريخية المؤثرة التي وجهتها اللجنة التنفيذية إلى القيصر الجديد؛ ولكنها لم تحدث أثراً. ولم تكن الدوائر القيصرية تفكر في النزول عند نذير المرهبين ولما يجف دم الجريمة الرنانة التي كانت في الواقع ذروة الإرهاب السياسي؛ ومن ثم فقد ردت القيصرية بمضاعفة إجراءات القمع والإمعان في مطاردة المرهبين والثوريين، وقبض خلال شهر مارس في بطرسبرج على عشرات منهم، ولكن لم يقدم في النهاية إلى المحاكمة القضائية سوى ستة هم أندري جليابوف وصوفيا بيروفسكايا ونيكولا كالبالتشش وجسيا هلفمان وتيموتي ميخايلوف ونيكولا ريساكوف وبدات المحاكمة في ٢٦ مارس سنة ١٨٨١ أمام محكمة عليا ألفت من ستة من الشيوخ وعضوين يمثلان النبلاء هما الكونت بوبرنسكي والبارون كورف، وممثل للتجار، وممثل للفلاحين، وعمدة موسكو، وممثل لبطرسبرج؛ وتولى الرياسة الشيخ فوكس، وتولى إجراءات الاتهام النائب مورافييف الذي غدا فيما بعد وزيراً للعدل.
وكان أهم المتهمين في تلك القضية الشهيرة هما بلا ريب جليابوف وصوفيا بيروفسكايا عضوا اللجنة التنفيذية لحزب إرادة الشعب وهما في الواقع مدبرا الجريمة ورأسا الحركة الإرهابية يومئذ؛ وكان جليابوف من أقطاب حزب إرادة الشعب وأعظمهم نفوذاً وكان يومئذ فتى في الثلاثين من عمره؛ وكان مولده في أسرة من الأرقاء، ولكن الرقيق حرر وهو طفل فتفتحت أمامه آفاق جديدة، وتلقى تربية حسنة، وتخرج في مدرسة الحقوق في أودسا وشغف منذ حداثته بالأدب الثوري والنظريات الاشتراكية والتحريرية، ولم يلبث أن لفت أنظار السلطات، وأعتبر في سلك المحرضين الخطرين ونفي في أودسا. فذهب إلى كييف وهنالك أتصل بأسرة غنية كان يعطي لولدها درساً وتزوج من أبنتها (أولجا) وعاش حيناً