في هدوء وعزلة، ولكنه لبث مع ذلك متصلاً بالأوساط الثورية، ولما اضطرمت الحركة الثورية في سنة ١٨٧٤ ونزل إلى ميدانها ألوف من الفتية والفتيات الذين ألهبت عقولهم وأراحهم النظريات التحريرية الحديثة، نظمت القيصرية من جانبها حملة القمع الذريع وقبض على ألوف من الدعاة والمحرضين وعقدت المحاكمات الرنانة تباعاً؛ وكان منها المحاكمة الشهيرة التي عقدت في بطرسبرج سنة ١٨٧٧ وقدم فيها إلى المحكمة ١٩٣ متهماً بينهم جليابوف وبيروفسكايا، ولكن جليابوف بريء؛ وما كان يغادر سجنه حتى أجتمع مع أقطاب زملائه وأسسو حزب (إرادة الشعب) وقرر الحزب أن يلجأ إلى سلاح الإرهاب السياسي. وفي أغسطس سنة ١٨٧٩ قررت اللجنة التنفيذية إعدام القيصر أسكندر الثاني حسبما قدمنا؛ ودبرت لذلك عدة محاولات متوالية ولكنها أخفقت. وكان جليابوف رأس اللجنة المدبر وكان يوجه الحزب بنفوذه القوي إلى ميدان النضال العنيف وكان شجاعاً لسناً قوي العزم والإرادة لا يحجم عن شيء. وكان وقت المحاكمة كما قدمنا فتى في الثلاثين من عمره، مديد القامة، قوي البنية. وسيم الطلعة، حلو الحديث، يميل إلى الدعابة ويتدفق حين الجدل فصاحة وبياناً.
وكانت صوفيا بيروفسكايا تنتمي إلى أسرة عريقة شغل كثير من أعضائها مراكز كبيرة في الدولة؛ وكان والدها حاكماً لمقاطعة سنت بيترسبرج، ولكنها آثرت منذ حداثتها حياة الحرية والمغامرة، فغادرت منزل الأسرة إلى العاصمة وتلقت تربيتها في إحدى مدارس المعلمات، ثم عينت بعد ذلك معلمة في إحدى مدارس الأقاليم؛ ولكنها لم تنجح إلى السكينة والعزلة بل اتصلت بالحركة الثورية، وقبض عليها لأول مرة بتهمة التحريض وهي دون العشرين. ولما أفرج عنها اشتغلت مدى حين ممرضة في أحد المستشفيات ثم قبض عليها مرة أخرى في قضية بطرسبرج الكبرى مع جليابوف وزملائه فبرئت، ولكنها نفيت إلى إحدى المقاطعات الشمالية. بيد أنها تمكنت من الفرار وعادت إلى العاصمة حيث التحقت عضواً بحزب (إرادة الشعب). وكانت حينما قبض عليها في مارس سنة ١٨٨١ في السابعة والعشرين من عمرها ولكنها كانت تبدو بنظراتها الساحرة وعينيها الخضراوين ومحياها الوسيم أصغر بكثير من عمرها. وكانت صوفيا تحب جليابوف حباً جماً وتترسم خطاه ومغامراته بعزم مدهش؛ وان هذا حبها الأول والأخير. وكان جليابوف يبادلها هذا الحب