المضطرم وكانا يعيشان معاً في أفق ساحر من الجوى والمثل الثورية.
أما عن باقي المتهمين فكان كالبلتشش مهندساً في نحو الثلاثين من عمره؛ وكان ميخايلوف عاملاً فتى من عمال المعادن؛ وكانت جسيا هلفمان فتاة من أسرة متوسطة تخرجت في مدرسة القابلات ولم تكن حسناء ولكنها كانت مخلصة مطبوعة، وكانت تعمل في مطبعة اللجنة السرية وتدير المنزل الذي يجتمع فيه الأعضاء.
بقي ريساكوف، وقد كان فتى حدثاً في التاسعة عشرة ينتمي إلى أصل متواضع؛ وكان وقت القبض عليه طالباً بمدرسة المناجم يعني ببث المبادئ الثورية بين العمال؛ وكان أهم متهم في القضية بعد جليابوف وصوفيا بل كان مفتاح القضية في الواقع ذاته أنه قبض عليه متلبساً بجريمته على أثر إلقائه القنبلة الأولى على موكب القيصر، وقد رأى فيه النائب المحقق دبرجنسكي منذ الساعة الأولى فريسة سهلة، فمال عليه بالإغراء والألفاظ المعسولة واستطاع أن يحمله على الاعتراف بكثير من الوقائع والمعلومات الهامة المتعلقة بالجريمة وحزب إرادة الشعب، وكان ريساكوف فتى هائم الذهن، مضطرب الأعصاب، فكان تارة يدون اعترافاته للمحقق وتارة يحاول تأييد مسلكه؛ وقد نشرت أقواله فيما بعد في كتيب صغير ضمن ما نشر من وثائق هذا العهد، وهي أقوال روح فتى هائم يتخبط بين الرغبة في التمسك بمبادئه ومثله، وبين الروع الذي يثيره فيه شبح الموت، ويقص ريساكوف في مذكراته كيف كانت مشاعره الحساسة التي شحذتها طفولة بائسة تتأثر أيما تأثر بما يراه بين الفلاحين والعمال من مناظر البؤس المطبق، وكيف ترك لقاءه الأول لجليابوف في نفسه أعظم أثر، وكيف أذكي لجليابوف في نفسه عاطفة الكفاح، فأنضم إلى جماعة المرهبين، وأرتكب جريمته على أنها عمل مجيد.
- ٤ -
ودام التحقيق زهاء ثلاثة أسابيع، وفي يوم ٢٦ مارس سنة ١٨٨١ بدأت المحاكمة الشهيرة أمام المحكمة العليا التي ألفت كما قدمنا من ستة من الشيوخ وعضوين من النبلاء وعضو عن التجار وعضو عن الفلاحين اختارتهم المحكمة وعمدة موسكو؛ وتولى رآستها الشيخ (السناتور) فوكس وتولى مهمة الاتهام النائب مورافييف؛ وأعترف جميع المتهمين بانتمائهم إلى حزب إرادة الشعب واشتراكهم في تدبير المؤامرة وتنفيذها، ما عدا جسيا فأنها أنكرت