للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج:
ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

[الأساليب]

للأستاذ أمين الخولي

المدرس بكلية الآداب

في مصر اليوم أساليب تمتاز بامتياز البيئات، وتختلف باختلاف الثقافات، ويذهب كل أناس بأسلوبهم لا يعدلون به أسلوبا، ولا يرضون منه بديلا، بل لا يرون له مثيلا؛ ونحن بين ذلك كله في حيرة مما نأخذ وندع.

وما أعني الأساليب الأدبية ولا الأنماط الفنية، فلعل الأمر في ذلك هين يسير، إنما أعني أساليب التفكير وطرائق التعقل ومذاهب الناس في تقرير الحقائق، وتقبل ما يقبلون منها ورفض ما يرفضون في مصر اليوم بيئات فكرية متعددة، وطرائق تهذيب مختلفة الأصول متباعدة الأسس، حتى لترى المسلمات المقررة عند فريق، تنكر في عنف بل في سخرية أحيانا عند آخرين، ونحن على هذا في مفترق طرق متشابكة؛ وشباننا الآخذون سبل الحياة في حيرة، لا يجدون معالم واضحة، ولا يدرون أين يذهبون، وحين يلتمس أولئك الشبان الحقيقة من هدأة إدلاء يحملون الأقلام في هذا البلد لا يجدون إلا من يداوى الاختلاف بالفرقة؛ ولا تستقر الحياة الفكرية لأمة هذا شأنها. وإذا كانت مصر قد خلصت من تعدد العناصر، وتكاثر اللغات؛ واختلاف الأديان والنحل فأنها لما تظفر بوحدة المزاج النفسي، وتجانس الأسلوب الفكري؛ وليس ذلك على أمة ناهضة بايسر خطرا وأهون شأنا من النواحي الأخرى في الاختلاف.

وما جردت اليوم قلمي لأكتب سداً لفراغ أو تلبية لطلب كأكثر ما يكتب الآن، بل تأثرا بحالة أشهدها كل يوم حين أغدو وأروح بين الجامعتين الأزهرية والمصرية، وأعانيها كلر يوم مع هؤلاء الشبان الذين لا يكاد يهون معهم التفاهم المنظم، بل يشق ويعسر إن لم أقل يستحيل. أرى في الجامعتين محافظين مسرفين، ومجددين مسرفين، وقد أرى هؤلاء، حيث لا يتوقع أن أراهم، وأجد أولئك حيث لا يدور بخلدي أن تقع عيني عليهم، كما أرى في الناحتين من لم يتجددوا ولم يحافظوا، ولكل أسلوب فكري مضطرب فاسد ينتهي به إلى نتائج تزيد مسافة الخلف بينه وبين الآخرين. وما إدخال القارئ في حاجة إلى شيء من المثال على ذلك، فهو وأجده حيث يرسل بصره، ويصيخ بإذنه جليا واضحا في صحافتنا

<<  <  ج:
ص:  >  >>