اليومية والأسبوعية والشهرية، وفي أنديتنا ومجامعنا، وفي المناقشة تجري بين متعلمين في أي مكان؛ وهي حال لا ينخدع عنها أحد مهما تجاهلها؛ يشعر بها كل ذي أسلوب من تلك الأساليب فتجد صداها في أسف صاحب القديم أسفا عميقا على ما يكون من طيش أولئك الذين لا يبرءون عن الهوى والنزف، ولا يعفون من الاتهام في دينهم ووطنيتهم. كما تجد صورة ذلك الافتراق في ضجر المشتطين وتبرمهم بتلك التقهقرات التي تصيب التدرج العقلي، وتعوق الحرية الفكرية؛ وفي سخطهم على هاتيك الرجعات التي تنتكس بها النهضة ; وكما تجد هذا الافتراق في الأساليب عند المترددين بين الطريقين المحاولين التوسط، حين يقصون من الجديد ويمطون في القديم، يرجون أن يتقابل هذا وذاك ويتوافقا؛ في كل هؤلاء تجد أساليب من التفكير مختلفة، فتشعر في ألم باضطراب كياننا الفكري، وتجد هذا الاضطراب يزداد شدة وخطورة، حين تتحكم في التفكير نزوة سياسية، أو يصل أصحاب الرأي حبلهم باعتبارات دينية، عند ذلك يشتد اضطراب أسلوب الفكر حتى يصير قلقا مزعجا وانتكاسا عجيبا، والويل كل الويل للحقيقة؛ بل الويل كله لشبابنا خاصة حين يضيع منه جيل وجيل ضحية هذا الاضطراب، وحين يقبع الخائفون من هوى السياسة، ومجازفة أهل الدين، فيسكتون طمعا في السلامة؛ أو يروجون لما هو في سريرتهم خطأ بل ضلال. فتضيع الحقيقة ويضيع الشبان قربانا لهذا الحذر وحب السلامة.
لقد أخشى أن يتلكأ قلمي أو يتوقف حين ثارت ذكرى هذه التهديدات، فيؤثر الإخلاد الوديع إلى الهدوء؛ لكني حامله على إلا يفعل، وماض في نقد تلك الأساليب مهما غضب أصحابها ومصطنعوها مبتغيا وجه الحقيقة وحدها. غير ملوث ما أقول بشيء من هذه المهاترة التي تسود جو المناقشات عندنا فتكون شرا على شر.
في مصر نفر أسلوبهم الفكري أن يضعوا العقل في مكان الإنسان من يد الموت كما يشبهه طرفة بن العبد في قوله:
لعمرك أن الموت ما أخطأ الفتى ... لكأ لطول المرخى وثنياه باليد
يجول العقل في مسارح الكون على أن يظل حبله في يدهم، أويد الدين كما يفهمونه هم لا كما هو في طبيعته وحقيقته، فحيث خلوه سرح، وحيث كفوه انكف، وحيثما هزوا حبله فهو خاطئ. وتقول لهم أن عنيتهم بهذا التحكم في العقل أنه عاجز عن استكناه كل شيء والنفاذ