وقف العصفور الصغير وحيداً أمام عشه. . . لقد تعلم أخواه وأخته الطيران في اليوم السابق، ولكنه لم يجرؤ على الطير معهم. . . وحينما كان يجري على فرع الشجرة الممتد أمام العش وحينما يبلغ نهايته ويوشك أن يرفع جناحيه يحس بالخوف فيجمد في مكانه. . . كان البحر منبسطاً هناك في أسفل. . . عدة أميال بينه وبين سطح البحر. . . كان يشعر بشعور مؤكد أن جناحاه لن يستطيعا حمله فكان ينكس رأسه في ذلة ثم يعود إلى عشه الصغير. . . وكان أخوته يحومون حوله يحثونه على الطيران. . . فكان أبوه وأمه يدوران حوله يؤنبانه على خوفه وجبنه، ويهددانه بحرمانه من الطعام وتركه في العش يموت جوعاً إذا لم يطرح عنه الخوف ويبدأ في الطير. . . ولكنه كان يريد الاحتفاظ بحياته فلم يغادر العش. . . ومر أربع وعشرون ساعة ولم يقترب منه أحد. وفي اليوم التالي أخذ يرقب أباه وأمه يطيران مع أخوته يصححان لهم أوضاعهم، ويعلمانهم كيف ينقضون على البحر إذا شاهدوا سمكة طافية. . . وكيف يتناولونها بمنقارهم ثم يرتفعون في سرعة. ورأى أخاه الأكبر يصطاد سمكة ثم يأخذها إلى حجر ناتئ بعيد حيث جلس يلتهمها وحوله باقي أسرته يصيحون في فرح وزهو. ثم طار الجميع إلى الصخرة البعيدة بعد أن مروا به يسخرون منه ويعيرونه بجبنه وخوفه. . .
وأخذت الشمس ترتفع في السماء وترسل أشعتها المتألقة وحرارتها الوهاجة. . . فأحس بالدفء. . . إنه لم يذق طعاماً منذ المساء السابق. . . أخذ يرتعد ثم فكر في طريقة يصل بها إلى أسرته طريقة تستوجب الطيران. . . ولكن لم يكن هناك سوى البحر الوسيع يمتد من تحته. . . وأراد أن يلفت نظرهم إليه فوقف على رجل واحدة ووضع الثانية تحت جناحه. . . ثم أغمض عينيه وتظاهر بالنوم. . . وفتح عينه فشاهد أخوته يتمرغون على الصخرة فرحين. . . أما أبوه فكان ينكش ريشه بمنقاره. . . وأمه. . . كانت هي التي تنظر إليه. . . ومن لحظة تنهش قطعة من السمك ملقاة تحت رجليها. . . وأثاره مرأى الطعام حتى كاد أن يجن. . . كم يحب أن يذوق السمك. . . ولم يلبث أن صاح صيحة