هل الأدب فد مات؟ سؤال جعله صديقنا الأستاذ سيد قطب عنوانا لمقاله الذي ظهر في العدد (٩٣٩) من الرسالة، أما الجواب الذي يحمل وجهة نظره فقد بدأه بهذه الكلمات:(يقول لك الكثيرون: أن نعم! ويمصمصون شفاههم أسفا وحسرة، وهم يعدون لك شواهد الموت، ويصفون لك أعراض الوفاة، ويترحمون على الأيام القريبة التي كان للأدب فيها صولة وجولة، يوم أن كان حياة في ذاته، وكان مبعث حياة!
وما أريد أن أدفع عن الأدب تهمة الموت، فقد تكون حقيقة؛ ولكني أريد أن ابحث عن القتلة! القتلة الذين فعلوا هذه الفعلة، والذين هم ماضون فيها للقضاء على الأنفاس الأخيرة التي تتردد في تلك الجثة المسجاة! إنهم في بظري ثلاثة:
الأدباء أنفسهم بمعرفتهم الشخصية وعلى عهدتهم!
والمدرسة المصرية بمعرفة وزارة المعارف العمومية!
والدولة كلها بمعرفة وزارة المالية ووزارة المواصلات!
هؤلاء هم المتهمون الثلاثة الذين خنقوا ذلك الأدب المسكين، حتى سقط جثة هامدة، والذين لا يزالون يخنقونه ليلفظ الأنفاس الأخيرة التي ما تزال تتردد في خفوت! فكيف كان ذلك؟
فأما الأدباء فهم الذين انصرفوا كلهم أو معظمهم عن الإخلاص للأدب وللعمل الأدبي؛ لأن هذا الإخلاص يكلف جهدا ومشقة، ويكلف عزوفا عن شيء من الكسب المادي وعن فرقعة الشهرة الكاذبة. . إنه يكلف صبرا على التجويد، وجهدا في الإخراج، ومعظم الأدباء - وبخاصة الذين كانوا يسمون الكبار - قد جرفتهم الحرب وما كان في إبانها من رواج في النشر، فانهالوا على السوق بإنتاج سريع (مسلوق) لأن هذا الإنتاج السريع يحقق لهم أرباحا عادية وعاجله، ويعفيهم من جهد البحث وأمانة العمل، ويضخم في الوقت ذاته قائمة مطبوعاتهم في نظر الجماهير!
وقد أقبلت الجماهير عليهم في أول الأمر. . . ولكنهم شيئا فشيئا جعلوا يكررون أنفسهم، بل يهبطون عن مستواهم. إنهم راحوا يجترون ما اختزنوه، ولا يضيفون إليه شيئا، ولا