للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج:
ص:  >  >>

[صحف مطوية من التاريخ الإسلامي]

٣ - العرب في غاليس وسويسرا

للأستاذ محمد عبد الله عنان

تتمة البحث

أتينا فيما تقدم على أخبار الغزوات والمستعمرات المسلمة في غاليس ولومبارديا وسويسرا منذ أواخر القرن الثامن الميلادي حتى جلاء المسلمين نهائياً عن تلك الوهاد والسهول في أواخر القرن العاشر، ونحاول الآن أن نعرض طرفاً من العوامل والظروف التي أحاطت بتلك الغزوات، وطرفاً من الآثار التي خلفتها في البلاد والأمم التي كانت ميداناً لها.

ينكر بعض مؤرخي الغرب على تلك الفتوحات والغزوات العربية والإسلامية بوجه عام خاصة الاستقرار والإنشاء، ويقولون إنها كانت في الغالب حملات ناهبة تقوم على رغبة الكسب وتحصيل الغنائم، ولا ريب أن ظمأ المغنم، وشغفالمغامرة، وما إليها من لذة الاستكشاف والسيادة كانت من أهم العوامل التي قامت عليها هذه الغزوات؛ وتلك هي العوامل الخالدة التي تقوم عليها فتوحات الأمم منذ أقدم العصور؛ ولكن من الحق أيضاً أن نقول إن نزعة الجهاد لم تكن بعيدة عن تلك الغزوات، وإن كثيراً من أولئك المغامرين البواسل كانت تحفزهم الحماسة الدينية وفكرة الجهاد في سبيل الله؛ وقد كانت هذه العصابات الغازية المستعمرة تعمل في الغالب لحساب نفسها، ولكنها كانت تعمل ملحوظة بعطف الحكومات والأمم الإسلامية التي تنتمي إليها، وكانت تؤدي إلى تلك الحكومات خدمات جليلة بما كانت تقوم به من إزعاج الحكومات والأمم النصرانية وإضعاف جيوشها ومواردها، ومن المحقق أيضاً أن نزعة الاستقرار والإنشاء لم تكن بعيدة عن أذهان الغزاة، بل كان يحفزهم مثل ذلك الروح الاستعماري القوي الذي دفع الأمم الغربية في العصر الحديث إلى افتتاح الأمم المتأخرة واستعمارها؛ وقد استقروا بالفعلواستعمرواحيث مهدت لهم الكثرة والقوة سبل البقاء، كما فعلوا في أقريطش، حيث استقروا بها بعد افتتاحها، زهاء قرن وثلث القرن (٨٢٧ - ٩٦١م) ونشروا بها الإسلام والحضارة الإسلامية؛ وكذلك استقروا مدى حين في بارى وفي تارانت من ثغور إيطاليا الجنوبية، وفي راجوازا

<<  <  ج:
ص:  >  >>