للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج:
ص:  >  >>

[إلى الدكتور زكي مبارك]

للأستاذ محمود غنيم

سيدي الدكتور:

طالما ترددت في الكتابة إليك لتهيبي من قلمك، وأخيراً وجدتني مدفوعاً إلى ما أتوق بعامل خفي ذي مصدر مجهول.

ولست من أولئك المكلفين بالمصاولة وبالمجادلة ولا ممن يرغبون في مهاجمتك حباً في ثورتك أو إرضاء لغريزتك التي حار في مرادها - على ما أعتقد - الكثير من زملائك: فمن حاول منهم الارتقاء بك أحجم عن ذلك مخافة وصفك له بالملق والمصانعة، ومن تحدثه نفسه بنقد خطوة من خطواتك لدغته في غير ما هوادة ولا رفق، ومن سكت عن ذكرك بخير أو بشر وصفته بالجمود والخمول والنوم.

وقد استخلصت من تتبعي لك واقتفائي لأثرك: أنك أخطر مخلوق في الوسط الأدبي؛ فلم ينج من سنان قلمك - على ما أظن - إلا نسبة ضئيلة من أدباء هذا العصر سواء في ذلك من يضمر لك الخير ومن يتمنى لك المكروه، كما تساوى أمامك من تدين له بصقل لسانك وسلامة تفكيرك، ومن شرب من منهلك واستظل بظل ثقافتك.

رأيتك يا دكتور تطل على ذاك الجمع الزاخر من علو شاهق غير عابئ ولا مكترث بما قد يكون مخبأ لك من سقطة أو سقطات تهوي بك من ذلك العلو إلى هوة تجر عليك شماتة الشامتين، وكلهم بالمرصاد. ولست بصدد مناقشة آرائك ومعتقداتك وموقعها من آراء ومعتقدات من تتصدى لهم أو يتصدون لك، أو حيال الحكم لك أو عليهم، فقد تكون عادلاً في كل ما قلت، وقد يكونون محقين في ذكر ما يدعون، وبالعكس؛ ولكني أمام موقفك من أعصابك التي تطالبك في إلحاح بإعطائها برنامجاً منظماً يخدم نواحي لا يناقض بعضها بعضاً، وتطالبك كذلك بالترفق حين الزج بها في تيارات مضطربة الاتجاهات.

وعلى هامش نقدي لأعصابك يا دكتور أقرر أن الأدب مدين لثورة تلك الأعصاب بالشيء الكثير وبدرر غاليات تزن ثقل ما لك من خصوم في هذا البلد. وإذا كانت تلك الثورات واحدة من اثنتين من تجاربك في ازدهار أدبك فأنا أهنئك مغتبطاُ بنجاح تلك التجربة وأطالبك في رفق بإجراء التجربة الأخرى: نريد أن نقرأك يا دكتور هادئاً كالنيل في غير

<<  <  ج:
ص:  >  >>