بهذه الرجفة العظمى تبدد النظام العالمي كله؛ فكأنما اجتمع اللاعبون بأقدار الأفراد ومصاير الأمم وقالوا لهتلر أجرأ العابثين:(بَوِّظ)!!
وهاهم أولاء يتحكمون في قطع اللعب، فيجمعون ثم يفرقون، ويبددون ثم ينسقون، وكل ما ورث الناس أو كسبوا من أديانْ ودساتير وقوانين وأنظمة وسنن قد أصابه الإلغاء أو التعليق. والواقع أن العالم العربي بأجمعه ليس منه في هذه اللعبة العالمية لاعب؛ إنما هو تلك القطع الجامدة التي تُقسّم وتُقدَّم وتُصك ثم تذهب وتجيء بين اللاعبين دواليك حاملة على وجوهها المُلس قِيَمها الكسبية المختلفة من (الدش) إلى (البيضة). فإذا طلبنا أن يكون لنا في الدَّست حساب وليس فينا حاسب، أو يعود علينا من ورائه اكتساب وليس منا كاسب، كان ذلك من خداع النفس بالمجال وتعليلها بالباطل. والمتوقع الذي لا حيله فيه أن نظل كما نحن لعبة تلعب أو نُهبة تُنهب حتى يبعث الله فينا الرجل الذي ننتظر
ولست اعني بالرجل الذي تنتظره الأمة العربية:(المهديَّ) أو (الإمام) أو (المسيح)، فإن ظهور أولئك أحدِهم أو كلهم شرط من أشراط الساعة؛ فانتظار الناس إياهم كانتظار الطامع الممطول راحة الفوت، أو المريض المشفى سكينة الموت؛ وإنما أعني الرجل الذي ينتظره الناس انتظارهم طلعة الشمس، وتنتظره الأرض انتظارها رجعة الربيع! هو كالشمس لأنه يرسل النور والحرارة؛ وهو كالربيع لأنه يبعث الحياة والنضارة. وظهوره كطلوع الشمس ورجوع الربيع سنة من سنن الله في الكون، يجرى بها حكمه كلما شاء للعقول الحائرة أن تهتدي، وللقلوب الشتيتة أن تتحد، وللنفوس العليلة أن تصح
كان هذا الرجل فيما خلا من الدهر يسمى رسولاً؛ فلما خُتمت الرسالة وانقطع الوحي، كان يظهر فترة بعد فترة في صورة ملك أو فاتح أو حاكم أو عالم مفكر، فيبين ما التبس من معاني الحق، ويجدد ما انطمس من معالم الطريق. وكان نجاحه في أو فشله في التجديد والإصلاح أثراً من آثار قوته أو ضعفه؛ فهو بين أصحاب السلطان يكون أسرع نجاحاً وأوسع إصلاحاً منه بين أصحاب الفكر. وقلَّما يأبه الناس لدعاة التجديد بالكلام ما لم ينتشر صداه في الأرض ويتسع مداه في الزمن: لأن أصحاب الكلام إذا ملكوا الرأي لا يملكون التنفيذ، وإذا استطاعوا التشريح فلا يستطيعون الحكم. وقطرة القلم قد يفطن لها الفؤاد اليقظ، ولكن وخزة السيف يثور بها الجسد الغليظ. وما كانت الوثبات الاجتماعية التي