أول ما نال الملهاة الإغريقية من العناية كان في صقلية. وكانت يومئذ مقصورة على تصوير العادات العامة دون تلميح إلى السياسة. وكان عميدها في هذا القطر أبيكارم (٤٥٠ق م) فأما انتقلت إلى أثينا تقلب بها الزمن. فمر بها على أدوار ثلاثة: دور الملهاة القديمة، دور الملهاة الوسطى، ودور الملهاة الحديثة. فالقديمة تمتاز بكثرة النقد الشخصي الصريح، فتسمى الأشخاص وتعين الحوادث. وكانت تسمد موضوعاتها من الواقع اليومية. وتتمتع بالحرية المطلقة في مهاجمة العظماء. والوسطى ظلت كتلك تهاجم أشخاصاً معينين، ولكنها عفت عن ذكر أسمائهم، وأخذت تمثل أنماطاً من الناس وصوراً من الأخلاق، وأما الحديثة فلم تطلب الجاذبية والتشويق في الحوادث اليومية والأهاجي الشخصية، وإنما طلبتهما في تعقيد العمل الروائي، وتصوير الأخلاق العامة. واشهر من عالج الملهاة القديمة أرسطفان (٤٥٠ - ٣٨٧ ق. م) وقد كان معروفاً بصفاء الأسلوب، ومرارة الهزل، وشدة الوطنية. غير ان مناظره كانت خليعة فاحشة. أما الملهاة الوسطى والحديثة فلم يؤثر منهما غير قطع منثورة مشتتة، حتى سنة ١٩٠٧م، فعثروا على ملهاة تكاد تكون كاملة، وهي ملهاة التحكيم لميناندر.
وكان للملهاة عند الرومان من العناية والحظ ما لم يكن للمأساة، فقد نبغ فيها كثير منهم أشهرهم (بلوت ٢٢٧ - ١٨٣ق. م) وقد سار على نهج أبيكارم، إلا أنه عرف بسرعة العمل الروائي، ونشاط الحوار، دون تصوير للمادة، ولا تحقيق للخلق. ثم (تيرانس)(١٩٢ - ١٥٩ق. م)، وقد قلد منيناندر، في هزله بالحرارة والأناقة والأدب وتنويع الأخلاق والصدق في وصفها.
ثم هجرت الملهاة في القرون الوسطى، وخلفتها في الشهرة والذيوع الرواية الرمزية الخلقية والملهاة العامية والأحموقة فلم يدب فيها دبيب الحياة إلا في القرن السادس عشر. فعادت