قطعة منثورة كتبها أديب كبير من أدباء الترك المعاصرين - جناب شهاب الدين الذي أحزن الأدباء نعيه العام الفائت
ولست أرى القطعة تمثل حياة البادية عامة، ولن حياة جماعة على شاطئ دجلة، ومهما يكن فقد أحسن الكاتب تصوير ما رأى حقيقة أو خيالاً، وهي نموذج من الأدب التركي الجديد جديرة بإطلاع قراء الرسالة
تجري دجلة واسعة كذكاء العرب، قوية كروح العرب، تلوح مرة لجة ترابية مائجة، ومرة شريطاً من الحرير سماوي اللون، وحيناً تتمعج كأزقة بغداد، وآخر تسير أقوم من شوارع باريس، وهنا تتحوى مضطربة، وهناك تمتد مطمئنة. . .
هذا النهر المبارك الذي يحمل في أحضانه ربيعاً من البركات يتقصى من الأبنية البشرية عند القُرنة، فينفذ في غابات النخيل فكأنه بلغ بيئته المحبوبة، فموجه أكثر حرية وأشد زخوراً وأعظم وقاراً وجرأة
يعيش النبات في البلاد المعتدلة والشمالية بمساعي الإنسان، وهنا في المناطق الحارة على العكس، يعيش الإنسان في حمي الأشجار والأعشاب، ولا سيما غابات النخيل
يزيدني النظر والتأمل إيماناً بأن سكان هذا الإقليم هي هذه الأشجار المهيبة، وما أبناء نوعنا إلا ضيوف ظلالها. ترى عيناي الآن نخلة فخوراً متفردة، فلله كيف سمقت مزهوة، وكيف نمت وانتشرت عُسُبها وخوصها في أبهة وجلال. هذه النخلة تنادي في كبرياء وعظمة أن هذه التربة لها، وأن غيرها لا يستطيع أن يكون مالكاً طبيعياً لهذه الأرض
إذا ما انتهت غابات النخل بعماراتها الخضراء انطفأت الحياة على شاطئ النهر. فلا شيء يبدل قسوة الصحراء هناك إلا كثبان الرمال الشاحبة التي تبدو في الأفق صغيرة كأنها القبور؛ وإلى الجانبين بحر من الرمل ليس له ساحل. وها نحن أولاء نشق سكوت الصحراء وسكونها. لا حجر ولا شجر، ولا حيوان ولاظل، ولكن ضياء - ضياء مطرد يزيغ البصر من كل جانب. لا حركة ولا شية من حركة إلا ملاعب الضياء. وعلى