بعد جفوة مسبوقة بنذير يئس القلب أثقل اليأس، واليأس يتجسم أحياناً فيصير أثقل من الجبال، وأبرد من الثلوج
ثم بدت الحياة لعيني وكأنها بيداء قفراء ليس فيها نبات ولا ماء ولا ظلال
كنت أسير في شوارع القاهرة فأراها تموج بالبشر والإيناس، وأرى القاهريين كما عهدت مسرورين منشرحين، كأن الدنيا ليست في حرب شعواء، وإنما هي في حرب خفيفة الظل، هي الحرب بين العيون والقلوب
وكنت أنظر فأراني وحيداً شريداً، وإن كان من يراني يتوهم أني ماض إلى ميعاد، فقد كانت القاهرة فيما سلف من أيامي ملاعب للمواعيد اللطاف
لقد اغتربت أسابيع كانت لهولها أطول من الآباد، بفضل الجفوة المسبوقة بنذير من تلك الروح، وكنت أخشى أن يطول اغترابي فيما بقى من أطياف حياتي، فما حياتي بعد تلك الروح غير أطياف
هذا هو اليأس، وذلك طعمه المرير، وتلك أيامه السود
وحاولت أن أعيش في ظلال الذكريات فتكدر عيشي، لأن تلك الروح لا تزال بعافية، وهي صائرة إلى غيري إن ضاعت من يدي، فما في الدنيا جمال يعيش بلا عاشق، ولو كان مقدوداً من الصخر الجلمود
لابد من رجعة أعنف من رجعة السيل، لابد من اقتناص تلك الروح من جديد، لأحمها من الضيم وأحمي نفسي من الموت
قلت لنفسي: إن هنالك غنيمة مضمونة وهي سماع صوتها في الهتاف، فما نطقت كلمة (ألو) إلا تمثلت أنها بلبل جماله كله في الحلق