أعوذ بالله من قولة (أنا)؛ ولكني مصاب بنفسي وهذا عذري، وشر ما أصبت به منها النسيان؛ وحسبك به بلاء عظيماً. وقد صرت بفضله - أو من جرائه - امرأ له الساعة التي هو فيها، فأعفيت من الهموم كما أعفيت من اللذاذات أو المسرات ومن ذكرياتها الحلوة. ولا آسف على ذلك فقد تكافأ الربح والخسارة. ولو أراحني الناس كما أراحتني نفسي لتمت لي السعادة في هذه الدنيا الدنية. ويبلغ من نسياني إني أكون ذاهباً إلى فراشي في الليل فأراني اقف أمام السرير متردداً حائراً لا ادري ماذا جاء بي إلى هنا. . أهي علبة السجائر، أم أريد المعطف أو العباءة؟ هذا في الشتاء - أم ماذا يا ترى؟ ثم استخير الله وأقول لنفسي:(نم يا شيخ وأرح نفسك من عناء المحاولة فما فيها فائدة).
وارقد على فراشي، فتدور في نفسي معان وتتمثل لذهني صور أتعلق منها بما يروقني فاغمض عيني - وقد قرت - وأقول إن شاء الله في الصباح اكتب الفصل أو ارسم الصورة أو أقص القصة. . واقرأ الفاتحة للموتى وآية الكرسي ليحفظني الله من العين وأنام. . ويطلع الصبح فاستيقظ مع الدجاج فإذا بي قد نسيت كل شيء، وإذا بالصور والمعاني قد مسحت بقدرة ربك من اللوح ولم يبق منها ولا اثر ضئيل يدل عليها ويهدي إليها، ويساعد على رجع ما ولى منها، فأتعزى بان الذي لا أجده لا يزال هناك وانه غاب ولكنه لم يمح، وقد تنتعش الذاكرة فجأة فيطفو ما رسب.
ويتفق أن اقف أمام المرآة لأسرح شعري أو أسوي ربطة الرقبة أو افعل غير ذلك من الشؤون التي تحوج في العادة إلى المرايا - وان كنت أنا أستطيع ذلك كله بغير معونتها - حتى إذا صرت أمامها وقفت متعجباً متسائلاً:(لماذا يا ترى انظر في المرآة؟) وارفع يدي إلى جبيني وافركه وأحاول أن أتذكر، ولكن الأمر يعييني فأهز رأسي وامضي لشأني.
وأقول وأنا ماض إلى عملي اليومي: إني سأكتب كيت وكيت، ويشغلني ذلك طول الطريق، واصعد إلى مكتبي والتقي بإخواني وزملائي ويجر اللقاء إلى التحدث في أمور شتى من عامة وخاصة، حتى إذا خلا المكان وتناولت القلم وأقمت سنه على الورقة رأيتني أتساءل: في أي شيء كنت أنوي أن أكتب يا ترى؟. وكيف أمكن أن أنسى بهذه السرعة العجيبة وقد