وما إن تتم العذراء أغنيتها حتى يبدو كومس، وقد طرب لهذه الأغنية وعجب كيف ينبعث مثل هذا اللحن من صدر أحد بني الفناء، وما يذكر أنه سمع لحنا مثله حتى ولا ذلك الذي كانت تغنيه أمه مع عذارى البحر فتسحر الملاحين به عن أنفسهم، وتغرق سفنهم؛ ويتقدم الساحر من الفتاة فيسألها من تكون فما يمكن أن يكون مثلها ممن ينتمون إلى هذه الغابة إلا أن تكون هي إلهتها، فهي تقيم فيها مع بان إله الرعاة أو سلفان إله الغاب، وترد الفتاة عليه وقد تمثل لها راعياً عليه سيماء الورع والهدوء قائلة إنها ما غنت فخورة بلحنها، إنما تستميل (إكو) علها ترد عليها من مخبئها. ويسألها الراعي ماذا أضلها، فتجيب بأنه الظلام وهذه المتاهات الملتفة الأوراق؛ فيستنبئها أكان تركها بسبب عدم الوفاء أم بسبب الجفاء؟ فتقول إنما كان ذلك ليبحثا في الوادي عن نبع سائغ برود. ويعجب الراعي كيف يتركانها على ضعفها؛ وليس معها من يحميها، فتجيب أنهما أزمعا أن يعودا على عجل؛ ويقول ربما كان العائق الظلام، فتجيب بقولها ما أسهل الحدس عليها وهي فيما هي فيه من تعس؛ ويسألها الراعي أيكون فقدهما أهم عندها مما هي فيه من حاجة إلى معين، فتنبئه أنهما أخواها، ويستفهمها أوصافهما، فما تجيبه حتى يقول إنه رأى اثنين كما وصفت عند تل قريب، وأنه أكبرهما أن يكونا من بني الإنسان وحسبهما من تلك الخلائق السماوية التي تعيش في ألوان قوس الغمام وتلعب فوق السحب المشتبك بعضها ببعض، وقد أخذه خوف منهما فصلى إذ مر بهما، فأن كان هذان من تبحث عنهما فأن رحلة أشبه بالارتحال إلى السموات تصل بها إليهما.
وتسأله الفتاة عن أقرب السبل إلى ذلك فيقول إنه يقع صوب الغرب من أجمة أشار إليها؛ وتبدي الفتاة خوفها وقلة حيلتها، فأن التنقل في الغابة فيما يرسله النجم من ضوء قليل أمر