للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج:
ص:  >  >>

[في الأدب المقارن]

التاريخ في الأدبين العربي والإنكليزي

للأستاذ فخري أبو السعود

التاريخ قصة الإنسانية وحكاية ماضيها، يصف حياة الإنسان من قديم عهوده، وتقلب أحواله على مرور العصور، وكفاحه في سبيل التقدم والسعادة، ويعرض أعمال الأمم وعظائم الأفراد وتعاون الشعوب حينا وتعاديها أحيانا، ويشرح سريان الحضارة والثقافة من صقع إلى صقع، ومن جيل إلى جيل، ومن أمة إلى أخرى، وما أضافته إليهما عبقرية كل شعب، من مستحدثات العلوم والفنون والصناعات؛ فالتاريخ سجل مليء بالعظات والدروس، حافل بالمتعات والطرائف، يمتع اللب سياقه القصصي، وينبه الخيال بعده الزمني، ويملا النفس أحيانا بالفخار الوطني، ويثقف الإنسان في حاضره ويبصره بما بين يديه، حين يعرض عليه أنباء الماضي ووقائعه

ولا يستمد التاريخ مما دونه المؤرخون في طروسهم فقط، بل يستمد بجانب ذلك من آثار الفنون المتخلفة عن الأمم، من عمارة ونحت وتصوير وأدب، ففي كل هاتيك صور من عقلياتها ومذاهبها ومجتمعاتها ومنازعها؛ فتاريخ الحضارة المصرية القديمة لا يستمد إلا أقله مما دونه المصريون أنفسهم أو من جاء بعد عهدهم من مؤرخي الأمم التالية، أما أكثر ما يعرف عن حياتهم الاجتماعية وتقاليدهم وديانتهم وعلومهم، فمستقى من مخلفاتهم في عالم البناء والنحت والنقش والصناعة، وقل مثل ذلك في تاريخ اليونان والرومان، وغيرهم من الأمم التي أنشأت الحضارات وكان لها في العلم والفن شأن يذكر

فتاريخ الأمة وفنونها متصلان أوثق اتصال، فالعوامل النفسية التي تسيطر على المجتمع والحكومة وتؤدي إلى الأحداث والتطورات السياسية والاقتصادية، هي هي العوامل النفسية التي تسيطر على فنون الأمة، فيميل أبناءها إلى فنون دون أخرى، وينحون بفنونهم أنحاء خاصة دون غيرها؛ فقدماء المصريين الذين كانوا يخضعون لملكية مطلقة دينية الصبغة ويؤلهون ملوكهم، نبغوا في علم العمارة في بناء المعابد والمقابر دون القصور، ونحتوا التماثيل للملوك والآلهة، لا للأبطال والزعماء والخطباء والرياضيين كما فعل الإغريق ولم يرتق فيهم الأدب الذي يترجم عن مشاعر الفرد، ويعبر عن خوالج المجتمع

<<  <  ج:
ص:  >  >>