للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج:
ص:  >  >>

[الأدب واللغة من الكائنات الحية]

للأديب محمد عثمان الصمدي

- ٢ -

كان هذا الشعور العربي باللغة ومفرداتها بل الأدب أيضا. ومن أجل هذا نرى أن اللغة قد نشأت بطريقة وجدانية. ومن أجل هذا أيضاً اختلفت ألوان البلاغات في القديم والحديث. وظل كذلك هذا الشعور في العصر الجاهلي إلى زمن كبير من صدر الإسلام حتى أصبحت اللغة لغة حياة جديدة ففقدت كثيراً من مدلولاتها على الزمن من جهة، ومن جهة أخرى زحزح الاستعمال في شؤون الحياة الجديدة كثيرا من مفرداتها عما كانت عليه في العصر الأول. وبذلك خسرت تلك الشحنة العاطفية التي أشرنا إليها من قبل. ولكنها ربحت غير قليل من الصقل والمرونة والمواتاة.

كان إذن عصر بني أمية عصر شباب للغة كما كان عصر شباب الأدب، الفطرة فيه قوية لم يبعد بها الزمن من عهود البلاغة المطبوعة. والسلائق غنائية بسيطة لم تتركب بعد بساطة الحياة التي كانت تمارس في ذلك الزمان. هذا والأخلاق بوجه عام لم تتميع بعد بتأثير الحضارة، وما تتيحه للناس من خفض ولين ووثارة. وإنما كانت الأخلاق تمتاز بشيء من القوة والصرامة وقلة الفضول. والأثر الأدبي تبعا لذلك يبدو ومطبوعا قد خلا من كل تكلف وتعمل، وإن احتمل فيه قائله ضروبا من العنت والمشقة والعناء. وسيظل ذلك العصر كما كان منهلا ينهل منه أبناء العربية صورا من الكلام البليغ في كل زمان ومكان، ما نطق بالعربية لسان.

ولكنه لم يكد يدنو من أواخره حتى بدت في الأدب طلائع البديع كما تتبين ذلك من بعض عبارات للجاحظ في البيان والتبيين. وقد كان من الطبيعي أن تتطور طرق البيان بعد أن لانت العرائك وأصبح تلمس الجمال المصنوع من مطالب الحياة.

وثمة شيء آخر، وهو أن الحياة العقلية لذلك العهد وإن بلبلت الخواطر والأذهان لم تكن قادرة على أن تنفخ من روحها في موضوعية الشعر شيئاً له خطر. وكل ما استطاعت أن توحي به هو فنية الصورة الشكلية أو فلسفتها دون الموضوع. ومن هنا جاء البديع وانتقل الأدب لذلك من طور إلى طور في تدرج طبيعي ملحوظ.

<<  <  ج:
ص:  >  >>