للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج:
ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

[القصص]

من أساطير الإغريق

٢ - خرافة جاسون

للأستاذ دريني خشبة

مساكين هؤلاء الآرجونوت!

لقد كانت رحلة شاقة مضطرمة بالمتاعب، مليئة بالأشجان، في بحر لجي وأمواج كالظُلل، ظلمات بعضها فوق بعض، وأهوال جسام يأخذ بعضها برقاب بعض، وطريق كله سعالي وأغوال

لقد لقي الأبطال الصناديد من أمرهم رهقاً أي رهق. . . فلقد أرسوا مرة بأرض شجراء باسقة الدوح، نما أيكها واستطال، وغلظت جذوعها واستوت، فبدا لهرقل أن يصطحب غلامه هيلاس وينطلق في الغابة يقطع أغصاناً تصلح لأن يصنع منها مجاذيف للآرجو، فأوغلا. . . وكانت الطريق ملتوية مُضلة. . . فلما أن قطعا من الأغصان شيئاً كثيراً، أصاب هرقل ضمأ شديد لم يصبر عليه، فأمر هيلاس أن ينطلق فيملأ جرة الماء التي كانت معهما من نبع قريب كانا يسمعان خريره يتلاشى كالصدى في سكون الغابة. . . وذهب هيلاس، وجلس هرقل ينتظره. . . ولكن وقتاً كافياً مضى قبل أن يعود الفتى. . . ثم مضى من الوقت ساعة أو نحوها. . . ثم ساعتان. . . ثم أكثر من ذلك. . . ثم أكثر. . . ماذا؟ ترى ما الذي عوق هيلاس؟ أواه! لقد كان هيلاس أجمل شباب الدنيا في ذلك الزمن، ولقد كان له جسم سمهري ممشوق، وصدر رحب أخيلي، ووجه تمتزج فيه بداوات الرجولة والفتوة بقسمات الفتنة والجمال، وعينان يترقرق في بريقهما لون من السحر لا يعرفه إلا العذارى، ولا تحسه إلا قلوب الحسان. . . وشفتان إن كانتا لرجل، فقد سرقتهما له الطبيعة الفنانة من فم غادة. . . وجبين متلألئ وضاح، لمّاح كإشراقة الشمس في مولد الصباح. . . تبارك الله ما كان أسبى وما كان أصبى، وما كان أجمل هيلاس!!

ذهب يملأ الجرة. . . وما كاد ينثني ليضرب بها الماء، حتى رأته عرائسه الغيد، الخرّد الأماليد، فشغفهن وامتلك قلوبهن، وبرزن من القاع ليسكرن بجماله، وينهلن من حسنه،

<<  <  ج:
ص:  >  >>