أثيرت مشكلة الوحي في العالم العربي منذ بدأ النبي صلى الله عليه وسلم دعوته. فكفار فقريش ما كانوا يريدون أن يقبلوا أن محمد بن عبد الله ينزل عليه وحي سماوي، وكثيراً ما رددوا جملتهم التهكمية المشهورة: هذا ابن أبي كبشة يكلم من السماء. واستبعدوا عليه كل البعد أن يتصل بالعالم الإلهي وهو بشر مثلهم يأكل ويشرب ويتردد إلى الحوانيت والأسواق:(وقالوا ما لهذا الرسول يأكل الطعام، ويمشي في الأسواق؛ لولا أنزل عليه ملك فيكون معه نذيراً، أو يلقى إليه كنز، أو تكون له جنة يأكل منها) بيد أن معجزاته بهرتهم وفصاحته أفحمتهم وهم أهل القول واللسن، وزعماء البلاغة والبيان. فأخذوا يتهمونه تارة بالسحر والشعوذة، وأخرى بالكهانة والتنجيم؛ وعزوا إليه قوى خفية لا حصر لها. ولم يكن له من جواب على هذه الدعاوى الباطلة والاتهامات القاسية إلا أن يقول:(ما أنا إلا بشر مثلكم يوحى إلي). فهو لا يجيء بشيء من عنده، ولا يفتري عليهم الكذب، وإنما يبلغ رسالة الله:(يا أيها الرسول بلغ ما أنزل إليك من ربك، وإن لم تفعل فما بلغت رسالته، والله يعصمك من الناس، إن الله لا يهدي القوم الكافرين). ونظرية الإسلام في الوحي وطرائقه سهلة واضحة. فهناك ملك خاص هو جبريل عليه السلام، قادر على التشكل بأشكال مختلفة شان الملائكة الآخرين؛ وكل وظيفته تتلخص في أنه واسطة بين الله وأنبيائه. وعنه تلقى محمد صلى الله عليه وسلم كل الأوامر الدينية، اللهم إلا في ليلة المعراج فقد اتصل بربه مباشرة واستمع ما فرض عليه وعلى أمته. ويجب أن نشير كذلك إلى أن الأحلام وسيلة من وسائل الكشف والإلهام، فإن النفوس الطاهرة تصعد أثناء النوم إلى عالم الملكوت حيث تقف على الأمور الخفية والحقائق الغامضة. وقد رأى النبي صلى الله عليه وسلم قبل أن يبدأ دعوته أحلاماً آذنت بمهمته، وكانت إرهاصا لنبوته وبشيراً برسالته: والرؤيا الصادقة جزء من أربعين جزءاً من جزاء النبوة. وفي القران الكريم سورة كاملة تشرح الأحلام وأثرها في التنبؤ بالغيب، ونعنى بها سورة يوسف.
لم يتردد رجال الإسلام في الصدر الأول مطلقاً في التسليم بهذه الوسائل الخاصة بالوحي