هو حبيب بن أوس الطائي، وقد سبقه إلى صناعة البيان بشار ومسلم والحسن بن هاني، ولكنه ظهر بها ظهوراً كبيراً وحاكاه البحتري وغيره، وكان حقيقاً بسبب كثرة إجادته في تلك الصناعة أن يسمى شيخ البيان. وكان أبو تمام يقدم الحسن بن هاني ويلقبه بالأستاذ وبالحاذق ويجاريه في طريقته، ولكن أبا تمام قد بز ابن هاني أبا نواس في المدح ووصف الطبيعة، وإن لم يكثر منها وفي الرثاء والأمثال والحكم، وجاراه في وصف الخمر والغزل المذكر. وقد سئل البحتري عن أبي تمام وعن نفسه فقال: جيده خير من جيدي ورديئي خير من رديئه. وهي قوله حق، فقد كان عند البحتري من حذر ذوي الصناعة وإحجامهم ما لم يكن عند أبي تمام الذي كان أكثر جرأة في صناعته. ولم يكن رديئه القليل عن جهل، فقد سئل فيه فقال: إن أبيات الشاعر كأبنائه فيهم الجميل وفيهم القبيح وكل منهم حبيب لدى أبيه الذي يعرف أيهم القبيح وأيهم الجميل. ولقد قال في إساءة ظن الشاعر بشعره ويعني نفسه:
ويسئ بالإحسان ظناً لا كمن ... هو بابنه وبشعره مفتون
ولكنه يقول أيضاً:
من كل بيت يكاد المَيْتُ يفهمه ... حسناً ويعبده القرطاس والقلم
ولا غرابة في أن يكون قائل البيت الأول هو قائل البيت الثاني، فإن نفس الشاعر قد تتردد بين الثقة بقوله ثقة ليس بعدها ثقة، وبين الشك كل الشك في مرتبته. ولعل هذا الشك وإساءة الظن مما يحفزه على استئناف الإجادة والى الاستزادة من الإبداع كيلا يستنيم إلى ما أجاده من سابق قوله. والشاعر الجريء في صنعته البيانية يكون نصب نقد الناقدين، وعندما مدح أبو تمام أحمد بن المعتصم بقصيدته التي مطلعها:(ما في وقوفك ساعة من باس) أنكر بعض النقاد أن يشبهه بمن هم أقل منه منزلة في قوله:
إقدام عمرو في سماحة حاتم ... في حلم أحنف في ذكاء إياس
ومثل هذا النقد يهدم صناعة التشبيه من أساسها لأنه لم يشبه الممدوح بهم في المنزلة، وإنما يكون للتشبيه وجه شبه خاص لا يتعداه اتفاق المشبه والمشبه به، وهذا النقد يدل إما على الإفراط في تملق الممدوح والمغالطة مع علم، وإما على جهل بالصناعة البيانية. وقد دفع