في آخر المطهر أن دانتي تحسى من فرات (ليث) جرعة نزعت ما في نفسه من أدران هذه الدنيا التي لا يجوز لمن ينطوي عليها أن يجوس خلال الفردوس. . . وهي جرعة إلهية جعلت من جسم دانتي هلاماً شفافاً وهيولى نقية استطاع بعدهما أن يرقى في السماء، ويعرج في الأثير، في إثر بياتريس. (١) وأخذ طيف بياتريس يصَّعَّد في الأديم الأزرق المشرب بنضارة البنفسج، وأخذ طيف دانتي يصَّعَّد في إثرها بقدرة الإله العلي، حتى كانا في السماء الأولى، والفتاة الطاهرة في خلال ذلك تحدثه وتتلطف به، وترفه عنه بعض ما كان يضيق به صدره من وساوس. (٢) إلى أن دخلا تلك الجنينة الصغيرة التي أرضها من فضة وأنهارها من لجين. . . جنينة القمر! حيث تشرح بياتريس لحبيبها المشدوه سبب تلك الظلال التي تعلو وجه السيار الصغير، والتي يراها الناس من سكان الأرض في هذه الحياة الدنيا. (٣) وفي رحاب القمر، يلقى دانتي الفتاة بيكاردا دوناتي التي تأخذ معه في حديث طويل، فتخبره أن هذا القمر هو جنة المساكين الذين نذروا حياتهم للخير في الدار الأولى، وعاشوا عيشة كلها تقوى وكلها بر وورع، ولكنهم، وا أسفاه، لأمور ما، لم يوفوا بكل ما نذروا من فعل الخيرات، ثم تلفته إلى روح الإمبراطورة كوستانزا، تمرح في بعض جنبات القمر، وتلعب. (٤) وتنطلق بياتريس، وفي إثرها دانتي، وكلما عمى أمر عليه جلته له صاحبته، (٥) حتى يكونا بعد رحلة سماوية جميلة، في كوكب عطارد الذي يقع في السماء الثانية؛ وثمة، يلقيان ثلة من أرواح البررة الأطهار ويتبرع أحدهم فيبدي استعداده للإجابة عن أي سؤال يلقى عليه من أمور الماضي أو الحاضر أو المستقبل. (٦) ثم يعرف دانتي أن الشخص الذي عرض عليه هذا العرض إن هو إلا الإمبراطور العظيم جوستنيان الذي يذكر للشاعر من أمور الحياة الأولى، فيما يتعلق بشخصه الإمبراطوري، الشيء الكثير، ويشرع بعد ذلك يحدثه عن عظمة الرومان القدماء، ويعدد له فتوحهم وخوالد غزواتهم التي