إنها لمأساة حقا أن نجد كثيرا من الضمائر والذمم في حاجة ماسة إلى تطهير لا فرق في ذلك بين هيئة أو جماعة، أو عظيم أو حقير. هذا إلى كثير من النفوس والضمائر التي أبصرت أشعة التطهير فاختفت داخل قواقعها واتخذت منها كنا وسترا. ولعل يد العدالة ستمتد إليها فتخرجها صاغرة ذليلة من داخل تلك القواقع؛ وسيعلم الذين ظلموا أي منقلب ينقلبون. . . إنها لمشكلة تدعو للأسف حقا وتدعو للعلاج السريع، حتى يعافى مجتمعنا من هذا الوباء الخلقي الخبيث. وإن إعدام بذور الشوك خير من تقليم أغصانه بعد أن ينبت. ومن الواجب قبل أن نصف الدواء أن نضع أيدينا على أسباب الداء، أو على الأقل على أهم أسبابه.
إننا لو نظرنا إلى موظفي الدولة ورجالها لوجدناهم ثمرة من ثمرات المدرسة، فإذا أحسسنا أن هذه الثمرة مرة المذاق، فلا بد أن التربية التي نبتت فيها هذه الثمرة تربة غير صالحة، وهذا هو الواقع فعلا في مدارسنا، فإنت لو نظرت إلى المدرسة في ذلك العهد الذي نتنسم فيه شيئا من الحرية لم تجد في أساليب تربيتها ما يعين على تنشئة جيل صالح، فما بالك بها منذ عشرات السنين أي في العهد الذي ربت فيه أولئك الذين قادوا السفينة بنا إلى الهاوية، وقد كان عهدا حبس عنه الاستعمار كل نسمة من نسمات الحرية والصلاح في أية ناحية من نواحي الحياة. . . وليس لنا بالمدرسة القديمة شأن، فقد مضت وأفسدت ما أفسدت، وهذه يد التطهير تحاول أن تصلح ما أفسدته المدرسة من قديم الأزمان. ولكن لنا الشأن كله بالمدرسة الحديثة - مدرسة اليوم - ويجب أن نمد إليها يدنا اليوم بالإصلاح قبل أن تمتد يد التطهير في المستقبل إلى ما تأتي به من ثمرات. . .
إن التربية في مدارسنا اليوم لا يعنيها غير الهدف العلمي، فهي تحرص على أن تضع في يمين التلميذ ورقة بمثابة الجواز الذي يسمح له بأن يأكل عيشه في شيء من السهولة واليسر ويضمن حياة راضية أحيانا، أما التهذيب الروحي وتقويم الاعوجاج والالتواء وتعديل الغرائز والنزعات الفطرية وإعلاؤها بحيث تجعل صاحبها يستقيم مع المجتمع ولا يكون نشازا فيه، ويصبح عضوا فعالا في أمته، فهذا ما لا يدخل في حساب التربية