لعل فريضة من فرائض الإسلام وشعائره لم تخدم الثقافة الإسلامية، وتنفع الأدب العربي كما خدمت في ذلك فريضة الحج وأفادت، فإن جل الذين كتبوا الرحلات، وألفوا في التاريخ الإسلامي خصوصاً تاريخ بلاد العرب، ووصف طبيعتها وجغرافيتها وتقويمها، هم من الذين كانوا يقصدون إلى أداء الفريضة المقدسة، وزيارة الروضة المطهرة. وكتاب (في منزل الوحي) إنما هو أثر من تلك الآثار التي فاض بها الشعور الإسلامي، والاتجاه الوحي نحو تلك البلاد الطيبة التي تنزع إليها النفوس، وتهفو نحوها الأرواح، وتطمئن بذكرها القلوب. وقد وصف المؤلف الفاضل كتابه وتحدث عن القصد الذي قصده من تأليفه فقال:(وليس هذا الكتاب مرجعاً من مراجع التاريخ الإسلامي، ولا شيء فيه من تقويم بلاد العرب، إنما هي وقفات وقفتها في بلاد الوحي ومنزله، أستوحي فيها مواقف محمد عبد الله ونبيه ورسوله، وهناك في هذه المواقف تجردت نفسي وسمت روحي وكررت بالعصور والقرون أطويها، ورحت أتمثل هذا الهادي الكريم، وأتمثل المسلمين من حوله، ألتمس في ذلك الأسوة والعبرة، آملاً أن أشرك فيهما إخواني المؤمنين بالله، وبما جاء من عند الله. لم أتقيد في هذه المواقف بما جاء في كتاب غير كتاب الله الكريم، ولم أخضع تفكيري لحكم غيري، وما كان لي أن أخضعه، فقد كنت أحس في كثير من هذه المواقف أنني بين القوم أسمع وأرى، وأتمنى لو كنت أجاهد معهم، فأفوز فوزاً عظيماً، وما كان لي أن أفعل ثم أخدع نفسي فأزعم أنني إذ أحدث الناس إنما أقص عليهم ما رأيته وما أحسست به في حين لا أقص إلا ما رآه غيري، وما سبقني إلى تسطيره. لقد تركت نفسي على سجيتها تتوجه بوحي روحي، وتستلهم الحق مما حولي، وتستعرض ما تستلهمه على حكم عقلي وتقدير ضميري، ثم سطرت ما اجتمع من ذلك لا أبغي به إلا رضا الله)
هذا كلام المؤلف الفاضل في وصف كتابه، وهو كلام، على ما أرى، فيه شيء من