لبث عرب الأندلس منذ الفتح زهاء قرنين في مأمن من الغزوات الخارجية، لا تزعجهم سوى الحروب والمعارك الداخلية، ولم تشعر الأندلس المسلمة بخطر الغزو الخارجي في تلك الفترة إلا من ناحية واحدة، هي ناحية مملكة الفرنج التي بلغت ذروة القوة والبأس في عصر عاهلها كارل الأكبر (شارلمان)، والتي استطاعت من قبل أن تستخلص من يد العرب رباط الثغر وكل أملاكهم في لانجدوك وما وراء جبال البرنيه، وأن تغزو إسبانيا المسلمة من الشمال أكثر من مرة؛ ولكن هذا الخطر الداهم لم يلبث أن خبا عقب انحلال المملكة الفرنجية وتوطد الدولة الأموية في الأندلس.
بيد أن الأندلس لم تلبث أن عرفت خطراً آخر لم تكن لتفطن إليه أو تتحوط لرده؛ ذلك هو خطر الغزوات البحرية النورمانية؛ وقد ظهر هذا الخطر فجأة حينما ظهرت سفن النورمانيين في مياه الأندلس لأول مرة في سنة ٢٣٠هـ (٨٤٣م) في عصر أمير الأندلس عبد الرحمن بن الحكم، وعاثت في ثغور الأندلس، ووصلت إلى أشبيلية، واقتحم الغزاة بسائطها بالنار والسيف؛ ولم يك لعرب الأندلس يومئذ معرفة بتلك الأمة البحرية التي جاءت من أقاصي الشمال غازية في أقاصي الجنوب، فعرفوها وآنسوا خطرها ومنعتها؛ وعرفوها عندئذ باسم (المجوس)؛ ذلك لأن النورمانيين كانوا يومئذ أمة وثنية تعبد النار والكواكب والعناصر، ثم عرفوها فيما بعد باسم (المجوس الأردمانيين)، أعني النورمانيين؛ وكانت الأندلس حتى ذلك الحين تعني بأسباب الدفاع الداخلية والبرية، ولا تعني كثيراً بأمر الأسطول أو التحصينات البحرية، فلما شهدت جرأة أولئك الغزاة المجهولين، وشدة عيثهم بشواطئها وثغورها، عنيت بأمر الأسطول والثغور، ولم يأت عصر عبد الرحمن الناصر حتى كان للأندلس أسطول فخم يسيطر على تلك المياه، ويحمي ثغور الأندلس من كل غزو واعتداء.
وقد ترددت حملات النورمانيين على شواطئ الأندلس مراراً، في عصر عبد الرحمن بن الحكم، كما قدمنا، ثم في عصر ولده محمد (٢٤٥هـ - ٨٥٩م)، ثم بعد ذلك بنحو قرن في