[الخطاب الذي احترق بسعير الأنفاس]
(للكاتب المجهول)
هو خطاب تلقيته من (فلانة) في سنة ١٩١٩
فما صبرُ القلب على غرام مشبوب يدوم ثلاثة وعشرين عاماً هي كألف سنة مما تعدّون؟ ما صبر القلب على (فلانة) وفي مثلها قال المجنون:
وشاب بنو ليلى وشبّ بنو ابنها ... وأعلاق ليلى باقياتٌ كما هيا
كان الدهر سمح في غفلة من غفلاته بأن ألقاها بعد طول الفراق، ثم استيقظ الدهر فعرفت ما لم أكن أعرف، عرفت أني لن ألقاها بعد ذلك ولو انتظرت إلى أن تشيب ناصية الزمان
فمن يبيعني مثقالاً من الصبر الجميل عساني أتناسى أحزاني وأشجاني؟
وهل يباع الصبر في هذه البلاد؟
وهل ترك الاتجار فيها بما تحدث عنه القرآن من عدس وبصل وفول مجالاً للاتجار بالصبر الجميل؟
خذوا أملاكي وخذوا حياتي في سبيل لحظة واحدة أقضيها في حضرة (فلانة) لأجدد التوبة من ذنوبي، ولأجدد العهد، إن كانت ترتاب فيما بيني وبينها من عهد
أكان ذلك اليوم آخر أيامي؟
أفي الحق أني لن ألقاها بعد الوشاية اللئيمة التي نفرتْها مني؟
دنيا من الأحلام تقوّضت في لحظة أو بعض لحظة بفضل كلمة نقلها أو اختلقها نمامٌ أثيم، فما ذنبي ولم أقل في (فلانة) غير الصدق؟
ما ذنبي ولم أقل إلا أنها كانت على تطاول الأيام أحب إلى قلبي من سائر عرائس الشعر والخيال؟
ما ذنبي ولم أوجه إليها في حياتي كلمة واحدة تجرح الذوق؟
إنما الذنب ذنب من ائتمنته فخان، وكنت أحسبه أهلاً لتلقي سرائر الروح الزين، وهل كنت أول عاشق خدعه الواشون والرقباء؟
الله يعلم كيف انخدعت، فقد حسبت أن طهارة القلب تُعدى، وظننتُ لجهلي أن في الدنيا ناساً يتذوقون أخبار الحب العفيف، ولم أكن أدري أني أكتب لنفسي صحيفة الاتهام وأنا