بريء، وكم في السجن من أبرياء!
لن أرى ذلك الوجه الأصبح بعد اليوم لأن صاحبته لا تريد أن تراني
وكيف أراها وهي تصدر أمرها المطاع بأن أرد إليها الخطاب الوحيد الذي طلَّت به قلبي سنة ١٩١٩؟
ومن يصدق يا فلانة أننا كنا رفيقين في ذلك التاريخ؟
هو خطاب أحرقته أنفاس الوجد ولم يبق منه غير أطياف، فما حرصك عليه وهو خيال في خيال؟
سأردّ ذلك الخطاب بلا تسويف
لا، لا، لن أرد ذلك الخطاب ولو قُطِّعت أوصالي، فهو الوثيقة الباقية على أنك كنت رفيقة صباي، يا مثال الشرف والطهر والعفاف
سيوضع ذلك الخطاب في كفني يوم أموت، فانبشي قبري وخذيه إن عرفت طعم الحياة بعد موتي، يا قريبة العذول الذي أفسد ما بينك وبيني، وهي أول مرة عرفت فيها عن تجربة أن الدخان القريب يُعمي العيون
ولو كنت فاجراً لعرفت ذنبي واسترحت
وهل يكون الفجور أشنع مما وقعت فيه؟
أنا أسلمت زمام أسراري لمخلوق توهمته يدرك شرف الحب، فكان منه ما كان، فمن يصلح ما بيننا وقد ضاق في وجهي صدرك الرحب، ونقلك الغضب إلى الوقوف في صف الزمان
أنا حزين، حزين، حزين
وما أحزن على نفسي، فقد شبعت من الزمان وشبع مني، ولم يبق لي ما أخاف عليه بعد أن عانيت في دهري ما عانيت، وإنما أحزن لارتيابك في أمانتي، وعنك تلقيت دروس الأمانة والصدق والوفاء
فإن فقدت عطفك فقداً أبدياً فقد خسرت بجانبه مودة ذلك العذول، وكنت أحسبه أشرف الناس، وهو لك قريب، وظلم ذوى القربى أشد من وقع الجراز المصقول كما قال بعض القدماء
الوداع، يا رفيقة صباي، وداع الزهر الظامئ لقطرات الغيث. . . أما الخطاب فقد أحرقته