دَرجتُ في الأعوام الأخيرة على كتابة مقالة سنوية في (الرسالة) بمناسبة ذكرى (سعد)، رعايةً لفضل هذا الرجل في بعث الحياة الأدبية عند اختلافه مع زملائه الذين شاطروه أعباء الثورة المصرية، لا رعايةً لمقامه الوطني (وهو مقام محفوف بالإجلال عند جمهور المصريين والشرقيين)؛ وإنما أحترس هذا الاحتراس لأن حقدي على (سعد) كان يفوق الوصف، ومقالاتي في الهجوم عليه كانت أقوى مما كتبت في صدر شبابي، فقد كانت مبادئ الحزب الوطني غزت قلبي غزواً عنيفاً
أكتب هذا والحزن يعصر قلبي، فقد انقضى ذلك العهد، وخمدت النار التي كانت تتأجج في صدري، ولم أعد أقبل الانضمام إلى أي حزب من الأحزاب السياسية
كانت لدينا مبادئ نقتتل في سبيلها اقتتال المجاهدين الصادقين، وكنا نرحب من أجلها بالسجن والاعتقال طائعين فرحين، مبادئ سليمة تفرق بين الابن وأبيه، والأخ وأخيه، في غير بغي ولا عدوان، فعلى عهدها الكريم ألف تحية وألف سلام!
ولو لم يكن هذا الحديث متصلاً بذكرى (سعد) الذي عانى ما عانى من بلايا النفي والاعتقال لطويته بلا تردد، مراعاةً لظروف هذه الأيام، فلتكن هذه السطور فناً من الإحياء لذكراه بين أبناء هذا الجيل
حديث اليوم عن (غرام سعد زغلول)، وهو حديثٌ لم يُفْضِ به إلا لأفراد قلائل، فما ذلك الحديث؟
أذكر أولاً أنني لن أجترح إثماً، ولن أسنّ سنّة سيئة، حين أتحدث عن غرام رجل عظيم شرَّق صيته وغرّب، فمن المحال أن تخلو قلوب العظماء من صبوات وأهواء
يضاف إلى ذلك أنني سأتحدث يوماً عن (غرام مصطفى كامل)، الغرام الذي جعله من كبار الخطباء بلغة الفرنسيس، والذي فرض عليه أن يهتف هتاف الشوق إلى هواه، وهو يعاني سكرات الموت. . .
وأذكر ثانياً أن الدار التي سيجري أسمها في الحديث عن (غرام سعد) لن تتألم ولن تتأفف، لأن سعداً أحبها وأحب أهلها حب الشرفاء، ثم أرتدّ عنها بحسرة دامية لم يخف كربها إلا