قرأت ما كتب القاضي الفضل الأستاذ علي الطنطاوي في العدد الأخير من الرسالة، تحت عنوان:(أنا مع سيد قطب)
ولا كلام لي مع سيد قطب، ذلك الأستاذ الذي أحبه، وأجله - على غير رابطة ولا اتصال - وأشهد الإخلاص في كل ما يكتب، وإن خالف وجهة نظري أحياناً؛ ولا مع تلميذي وصديقي الأستاذ رجب البيومي، الذي آلمني - علم الله - أن يتورط في موقف لا خير فيه.
وإنما دفعني دفعاً إلى كتابة هذه الكلمة، حديث ذلك الكاتب الرائع، المؤمن حق المؤمن، الذي تطير به كتاباته إلى آفاق من الروحية، يعييني التطلع إليها عند غيره من كرام الكاتبين: الأستاذ علي الطنطاوي، وما أصدره من أحكام تعوزها (الحيثيات) ويخونها التعليل.
وقد حاولت أن أهزمه بضربة قاضية من أول جولة، حتى لا أدع له فرصة مساجلتي أو الرد علي، فبحثت في أعداد الرسالة التي تملأ البيت عن مقال له في بني أمية نشرته منذ سنتين أو ثلاث على ما أذكر، طار بهم فيه إلى عنان السماء؛ ثم أنسخه وأبعث به إلى الرسالة لتعيد نشره من جديد، فأظفر بالقلج من أيسر طريق؛ ولكن الحظ كان معه علي، فقد ذهب بحثي أدراج الرياح، بعد عناء طويل.
وإني اختصر الطريق إلى فضيلة القاضي، فألقاه وجاها، دون مداورة ولا مجاملة، ولا احتيال؛ وأقرر - في صراحة - ١ - أنه أحال، في اعترافه (بأن لبني أمية في نشر الإسلام، وفي فتح الفتوح فضلاً لا ينكره أحد، ثم إنكاره أن تكون دولتهم دولة إسلامية - ٢ - وأنه أخطأ في أن معاوية هدم أكبر ركن في صرح الدولة الإسلامية حين أبطل الانتخاب الصحيح وجعله انتخابا شكلياً مزيفاً، وترك الشورى الخ الخ.
ومعاوية رضي الله تعالى عنه من كبار أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم، وأحد كتاب وحيه؛ والخلافة مسألة اجتهادية لم ينص فيها الشرع على وضع معين، اتكالاً على الاجتهاد فيها لمصلحة المسلمين؛ فقد لحق الرسول بالرفيق الأعلى دون أن يقرر فيها رأياً