أخذت مصر في عهدها الأخير تغير ما بنفسها ليغير الله ما بها كما قال عز قوله في كتابه الخالد. . . وأصدق الأدلة على هذا التغيير ما نراه من القلق على كل وجه، وما نسمعه من السخط على كل لسان، وما نقرأه من المعارضة في كل صحيفة
وليس ما نراه من القلق على كل وجه، وما نسمعه من السخط على كل لسان، وما نقرأه من المعارضة في كل صحيفة وليس ما نراه وما نسمعه ونقرأه من كل أولئك صادرا عن تقليد كما كان يصدر، ولا واردا عن تحريض كما كان يرد. إنما هو أنفه المستذل حين يحس، وغضبه المستغل حين يعي. والقطيع من البقر أو من الغنم إنما يظل قطيعا ما دام لا يعرف إلا العشب يخضمه والماء يجرعه والراعي يطيعه. فإذ ما أدرك يوما أن راعيه يأكل لحمه ويشرب لبنه ويستغل جهده، وليس من فضل عليه إلا أن يرأسه حيلة أضيق من قواه، وفي يده هراوة أضعف من قرونه، لم يعد قطيعا وإنما يصبح أمة
يعلن الناس اليوم ما كانوا يتأثمون أن يسروه، ويفعلون اليوم ما كانوا يحذرون أن يقولوه؛ ويدركون اليوم أنهم أصحاب الثروة وأرباب البلد ومصدر السلطان، فما في خزائن الدولة من الأموال ملك لهم، ومن في دواوين الحكومة من الرجال أجراء عندهم، وأن الكبراء الذين يلهمون ولا ينتجون، ويأخذون ولا يطيعون، ويقولون ولا يفعلون، ويحكمون ولا يعدلون، إنما هم الكبائر التي توجب العقوبة، والدلائل التي تعلن الكارثة، تصديقا لقول الله تعالى:(وإذا أردنا أن نهلك قرية أمرنا مترفيها ففسقوا فيها، فحق عليها القول فدمرناها تدميرا)
لو كانت الصحافة وحدها هي التي تنتقد وتعارض وتشتكي وتحتج لقلنا: جماعة من المثقفين المرهفين رأوا المنكر فنددوا به، وأبصر الخطر فنبهوا إليه، ولكن الواقع أن قراء الصحف وسامعيها من كل طبقة ومن كل حزب قد رأوا فيما تنشر من اعتراض أو امتعاض تعبيرا دقيقا يضطرب في رءوسهم من فكر، وتصوير صادقا لما يعصف في نفوسهم من ثورة. فلما أراد من أراد أن يخفت من صوت الصحافة بالكمائم، ويضيق من خطوها باللجم انفجر في وجهه الرأي العام من ذات نفسه ومن جميع نواحيه، يدافع عن المنبر الحر الذي تتنزل عليه كلمته وتتجلى في أرادته
ولو كان الذين انفجروا في طريق (التشريعات الصحفية) من المعارضين للحكم القائم، لقلنا