للأستاذ محمود محمد شاكر منزلة كبيرة لدي، فأنا أعهده كاتبا قوي الأسلوب، رصين العبارة، وأعرفه أبيا مخلصا يتدفق غيره على الإسلام، وتعصبا لأفذاذه الأبطال، لذلك أقبل على قراءة ما يدبجه يراعه المؤمن في شوق واهتمام. وقد طالعت أخيرا ما كتبته مجلة (المسلمون - العدد الثالث ص ٣٨ جمادي الأولى سنة١٣٧١) تحت عنوان لا تسبوا أصحابي، فوجدت المجال واسعا للخلاف بيني وبينه، ولم أشأ أن أطوي ما دار بخلدي عن القراء، فرأيت أن أناقش الكاتب الكبير فيما سطره راجيا أن يحق الله الحق بكلمته، فالحق وحده هدف الكرام الكاتبين، وفي طليعتهم الأستاذ الجليل.
ولعل من الأوفق أن أبدأ بتلخيص الفكرة التي يدور حولها مقال الأستاذ شاكر، فأعلن أن الكاتب الفاضل ينحي بالأئمة على المجاهد الداعية الأستاذ سيد قطب - وإن لم يصرح باسمه - إذ تعرض في كتابه (العدالة الاجتماعية في الإسلام) إلى أناس عدهم الأستاذ شاكر من أفاضل الصحابة، وقد خصهم صاحب الكتاب بما لا يليق في مذهب الأستاذ شاكر من النقد والتجريح، وهو بذلك يخالف ما أجتمع عليه الرأي السائد من تقديس أصحاب الرسول (إذ لا سبيل لأحد من أهل الأرض ماضيهم وحاضرهم أن يلحق أقل أصحاب محمد، مهما جهد في عبادته ومهما تورع في دينه، ومهما أخلص قلبه من خواطر السوء في سرة وعلانيته، كما قال الأستاذ الجليل.
وقد بدأ الأستاذ شاكر مقاله بحديث الرسول (لا تسبوا أصحابي فو الذي نفسي بيده، لو أن أحدكم أنفق مثل أحد ذهبا، ما أدرك مد أحدهم ولا نصيفه) واندفع في سياق منبري يسرد الأدلة الخطابية، ويستثير النوازع العاطفية، ويستشهد بقول الرسول (خير الناس قرني ثم الذين بلونهم ثم الذين يلونهم ثم يجيء قوم تسبق شهادة أحدهم بيمينه، وبيمينه شهادته) كما ذكر حديثا يدور حول هذا المعنى، محاولا أن يؤيد بذلك كله دعواه الخطيرة إلى تقديس أناس بعدوا عن الحق فيما سجله التاريخ عليهم من أعمال. ومما نحمد الله عليه أن الحق - في هذه الناحية - واضح أبلج لا يحتاج إلى برهان.