للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج:
ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

وقبل أن نعرض ما ذكره الأستاذ قطب في شأن معاوية وأصحابه، نذكر أن الأستاذ شاكر قد أثار هذه العاصفة وحجته الوحيدة، أن كل صحابي رأى الرسول وسمع عنه قد أكتسب مكانة تحترم على كل إنسان أن ينتقد أخطاءه أو يظهر أغلاطه، (فإذا أخطأ أحدهم فليس يحل لهم ولا لأحد ممن بعدهم أن يجعل الخطأ ذريعة إلى الطعن عليهم) كما ذكر الكاتب.

وحسماً للنزاع من أقرب طرقه، نبدأ بتحديد معنى الصحابي، وهو - في أبسط حدوده - يطلق على كل إنسان حصلت له رؤية الرسول أو مجالسته، فجميع من سعدوا بمشاهدته صلى الله عليه وسلم في حياته بعد الإسلام صحابة يشرفون بهذه الصفة المباركة، حتى عبد الله بن أبي رأس النفاق بالمدينة، فقد قال الرسول لمن هم بقتله: (معاذ الله أن يتحدث الناس أن محمدا يقتل أصحابه)، فعبد الله من أصحاب محمد كما ينطق الحديث، فليت شعري أينطبق الحديث القائل لا تسبوا أصحابي على جميع من سعد بالصحبة، أم يخص من باعوا أرواحهم وأموالهم لله من المؤمنين الصادقين؟ لابد أن تكون الطائفة الأخيرة هي المقصودة دون أدنى تردد أو نزاع، فكل من تمسك بأخلاق الإسلام من أصحاب الرسول وشهد تاريخه بمروءته وصدقه فهو موضع التجلة والتبجيل، ولا يجوز لمسلم بدين الإسلام أن ينتقصه في شيء، وكل من حامت به الشبهات فوق تاريخه فهو موضع الملامة والنقد لأن الناس سواسية أمام الإسلام، ولا فضل لعربي على أعجمي بغير بتقواه، والإسلام لا يقدس غير البررة المخلصين.

ومعلوم أن الصحابة رضوان الله عليهم لم يكونوا من الدين والجهاد بمنزلة واحدة، ففيهم من أسلم في فجر الدعوة منذ أعلنها الرسول وقطعت السنوات المتتابعة في الجهاد والجلاد، وفيهم من أسلم قبيل الفتح أو بعده والسيف مصلت على رأسه، وفيهم من بذل الكثير من الدم والمال وأدخر القليل، وفيهم من تقاعس ولم يبذل شيئا من دمه وماله، ومن الظلم البين أن نرتفع بهؤلاء جميعا إلى منزلة واحدة، بل على التاريخ أن يهيئ لكل إنسان منزلته وفق ما أسلف من أعمال (لا يستوي القاعدون من المؤمنين غير أولي الضرر والمجاهدين في سبيل الله بأموالهم وأنفسهم، فضل الله المجاهدين بأموالهم وأنفسهم على القاعدين درجة، وكلا وعد الله الحسنى، وفضل الله المجاهدين على القاعدين أجرا عظيما) ٩٥ النساء.

وإذا كان الأستاذ شاكر يرى أنه لا يجوز لأحد من الناس أو من الصحابة أن يجعل الخطأ

<<  <  ج:
ص:  >  >>