إذا اعتمدنا في حكمنا على الأمم القديمة من مصرية وكلدانية وهندية وفارسية على المرقوم مما خلف التاريخ، واعتمدنا عليه وحده، خرجنا على أن هؤلاء القدماء وُفقوا إلى دراسة مدار القمر دراسة دقيقة كشفت عن أهم الصفات الخاصة بهذا المدار، أما رأيهم في القمر نفسه، ما جوهره وماذا عليه؟ فلم يصلنا مما قد كانوا علموه من ذلك شئ.
ومن أقدم ما نعرف في هذا الصدد ما أرتاه العالم الإغريقي طاليس (٦٤٠ - ٥٥٠ ق م) فقد ارتأى ان القمر ان كان أكثره من الشمس، فان بعضه يخرج بالاشعاع من القمر نفسه. ودلل على ذلك بأن الأجزاء المعتمة من الأقمار الجديدة والأهلة لا تعتم كل الاعتام، بل يبقى فيها برغم احتجابها عن الشمس بقية قليلة من ضياء تتبينها العين.
ومن القدماء الفلاسفة الفيثاغوريون علموا أن القمر كرة بلورية ملساء ينعكس منها الضياء كما ينعكس على المرايا، وتتراءى فيه صور الأشياء كما تتراءى في المرايا، فالمناطق التي تظهر على سطح القمر بيضاء ناصعة، أو سمراء داكنة، ليست إلا صورة الكرة الارضية انعكست فيه ببحرها وخلجانها، وجبالها ووديانها، وتابعهم في ذلك ارسطو، فأظهر جهلا كجهلهم تاماً بأبسط قواعد الضوء وانعكاساته، وبما لاشك كان معلوما في هذا العصر من الحال التي عليها دار القمر. فهذه القواعد الضوئية والمعلوم من المدارات القمرية لا يمكن ان يؤلف بينها العقل العادي - بله عقل أرسطو - وبين أن القمر يرينا دائما وجها وأحداً وصورة واحدة لا تتغير. فلو أنها كانت صورتنا تنعكس الينا لتغيرت حتما باختلاف أوضاعنا واوضاعه.
وسبق هذه الآراء وتخللها وتبعها آراء أخرى للأقدمين كثيرة، كان من الطبيعي أن تحظى من الخيالى بحظ أكبر من الحقيقة لعجز العين الإنسانية عن استيضاح ما هنالك.