للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج:
ص:  >  >>

[من أعلام رجال الفكر في عصر الحروب الصليبية:]

ابن دقيق العيد

للأستاذ أحمد أحمد بدوي

تقي الدين أبو الفتح محمد بن مجد الدين أبي الحسن علي بن وهب ابن مطيع القشيري.

ولد يوم السبت الخامس والعشرين من شعبان سنة ٦٢٥ بظهر البحر الأحمر، قريباً من ساحل مدينة ينبع بالحجاز، وأبواه متوجهان من قوص للحج، قالوا: وحمله والده على يديه، ودعا ربه، وهو يطوف به الكعبة أن يجعله من العلماء العاملين، فاستجاب الله دعوته.

وكانت أسرة ابن دقيق العيد قد اتخذت قوص موطناً لها بعد أن هجرت مدينتها الأولى منفلوط، فنشأ الفتى بقوص، وكانت من أهم مراكز الثقافة في ذلك الحين، فحفظ القرآن الكريم، ثم درس فقه مالك على والده الذي كان من أئمة المالكية، كما أخذ عنه الحديث والأصول، ودرس في قوص إلى غير والده أيضاً، فأخذ فقه الشافعية عن تلميذ والده بهاد الدين القفطي، ودرس الأصول على علم من أعلام هذه المادة وهو شمس الدين الأصبهاني، والنحو على شرف الدين المرسي، ثم رحل في طلب العلم إلى القاهرة والإسكندرية ودمشق والحجاز، وأخذ عن كبار علماء عصره مثل الحافظ المنذري وعز الدين بن عبد السلام، وعليه درس فقه الشافعي أيضاً، وبهذا أتقن وهو شاب مذهبي الشافعي ومالك إتقاناً عظيما بلغ به درجة الإفتاء بهما، وقد قال فيه ابن القوبع من قصيدة يمدحه بها:

صبا للعلم صبَّا في صباه ... فأعْلِ بهمة الصب الصبي

وأتقن والشباب له لباس ... أدلّة مالك والشافعي

وعاد الشاب إلى مدينته وقد درس الفقه على المذهبين، وأصول الفقه، والحديث وعلومه، وعلم الكلام، والتفسير والنحو واللغة والأدب، وكان أكبر ما امتاز فيه الفقه والحديث.

أما في الفقه، فقد ارتفع عن مستوى التقليد المطلق الذي يقف فيه عند نصوص الأئمة لا يحيد عنها، بل يرتفع إلى حيث يستخلص الأحكام من أدلتها في الكتاب والسنة.

قال مؤرخه فتح الدين اليعمري: (وكان حسن الاستنباط للأحكام والمعاني من السنة والكتاب، بلب يسحر الألباب، وفكر يفتح له ما يستغلق على غيره من الأبواب، مستعيناً على ذلك بما رواه من العلوم).

<<  <  ج:
ص:  >  >>