الإصلاح المرتجل، أو الإصلاح الجزاف، قلما ينفع وقد يضير ونعني بالإصلاح المرتجل أو الإصلاح الجزاف كل إصلاح لا ينظر فيه إلى الحاجة التي تدعو إليه، ولا إلى الأساس الذي يقوم عليه. فهو كالدواء الذي يعطى قبل معرفة الداء، أو كالعلاج الذي يعالج به الجهلاء كل داء: يفيد إن أفاد مصادفة واتفاقا، ويضير - إن ضار - لأن الشأن فيه أن يضير فلا بد لكل إصلاح من أساس يقوم عليه، ومن حاجة يغنى فيها بمقدارها وعلى حسب البيئة التي تنشأ فيها ولا بد لأولئك كله من تقدير صحيح لكثير من الأمور نقول ذلك لان حديث الإصلاح في العالم يجري على كل لسان، وينقله المتحدثون في مصر ليقيسوا عليه ما يقبل المقياس، وبخاصة ما نقلته الأنباء البرقية عن (مشروع بيفردج) في البلاد الإنجليزية، وما يرتبط به الشعب التي لا عداد لها في نواحي السياسة والاقتصاد والأخلاق ولا نريد هنا تفصيل القول في هذا المشروع، فلهذا التفصيل وقته حين ترد ألينا البحوث المسهبة التي أحاطت به من جانب القبول ومن جانب الإنكار، ومن جانب آخر غير القبول والإنكار وهو الاعتراف بالأساس كله - أو ببعض الأساس - ثم التعقيب عليه بالإضافة أو التعديل. فحسبنا الآن أن نقول إن المشروع يشتمل على النظم التي تكفل إعانة العجزة والعاطلين ووقاية الأطفال وتأمين الصحة العامة وتعويض المصابين في الأعمال القومية، وما شاكل ذلك من ضروب الإعانة والصيانة والترفيه. حسبنا هذا الآن إلى أن يحين الأوان للبحث المفصل في أجزائة، والمقابلة المفصلة بينه وبين نظائره من مواطن الإصلاح في البلاد المصرية، وفي البلاد الشرقية على التعميم. إلا أن الوقت قد حان - بل حان جداً - لإقامة هذه المشروعات الإصلاحية كلها على أساسها القويم، حذرا من يوم نصاب فيه بالإصلاح المرتجل أو الإصلاح الجزاف، فلا ننجو من غوائله إلا بعد حرب أخرى كالحرب الحاضرة، وساءت تلك من نجاة هي والمصيبة سواء!
هذا الإصلاح على أي أساس يقوم؟
إن بعض الفضلاء الذين عقبوا على مشروع بيفردج في مصر قد فهموا منه أنه غلبة للمذهب الحكومي على المذهب الفردي في معقل الفلسفة الفردية، وهو البلاد الإنكليزية