للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج:
ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

[فيدون]

للأستاذ كمال دسوقي

(تتمة ما نشر في العدد الماضي)

- وهنا - وبعد هذه الأدلة على خلود الروح التي قدمها سقراط - ما يزال بسيمياس وسيبيز بقية من شك تبدو في تهامسها - حتى إذا استوضحهما سقراط جلية رأيهما في تدليله على خلود الروح تقدم سيمياس، فشكك في إمكان البحث عن حقيقة الروح ما دمنا في هذه الحياة، ورأى مع هذا أن البحث عن كنه الروح ومصيرها أمر لابد منه - ثم قدم للتشكيك في أدلة سقراط نظريتهم الفيثاغورسية القائلة بأن الروح هي انسجام عناصر البدن واتساقه - والتي لو أخذنا بها لجاز أن تفتى الروح قبل فناء الجسد - على نحو ما يفنى النغم المنسجم الإلهي لمجرد تمزق أوتار القيثارة أو تحطمها مع بقاء مادتها.

وهنا يشاء سقراط أن يعارض فيثاغورية بفيثاغوري، فيحث سيبيز على مناهضة زميله، ويقول هذا إنه يؤمن بأزلية الروح في عالمها الأول - ولكنه لا يعتقد بخلود الروح في عالمها الآخر. وهو إذ ينكر عليها الخلود لا ينكر قوتها وسموها وبقاءها على ضعف البدن وخضوعه وفنائه، وليس ينهض لديه دليلاً على هذا الامتياز ما يقول به العامة من ضرورة بقاء النساج بعد موته زمناً أطول لأن آخر معطف قام بنسجه لم يزل باقيا. بل كل ما يدل عليه هذا التشبيه أن كل روح تفنى عدة أجساد كما أفنى النساج عدة أثواب - ومن يدري - فلعلها لكثرة ما تعاني من إرهاق التولد والوفاة وتكررهما تفنى ذات مرة إلى الأبد. دون أن نحس بها يكون لنا بمصيرها علم - إذ لا قدرة لنا على تتبعها في كل جسد جديد تحل فيه. وعلى هذا - فما لم نستوثق من خلود الروح إلى الأبد - لم نزل نرهب الموت.

ويأخذ هذا القول من نفس السامعين، ومن نفس الذين يقص عليهم فيدون بعد - كل مأخذ - فيرتابون ويشكون في كل ما قيل، ويعاودهم الجزع والإشفاق على مصير الروح، ولكن سقراط يستجمع فطنته ولباقته ليستأنف الجدل أقوى مما كان. وليطمئن المجتمع على أن أرواحهم بعد الموت لن تذروها الرياح، فيداعب خصلات شعر فيدون، ثم يحذر من المغالاة في كره المنطق، وعدم الثقة بالناس نتيجة الجهل بالعلم، وقلة الخبرة في اختيارهم - وكون أكثرهم شريرين وأقلهم أخياراً - والمآل كذلك في البراهين والأدلة، التي يظهر لنا كبار

<<  <  ج:
ص:  >  >>