أحسب أن مقال الأستاذ الكبير (أحمد أمين) في امتداح الشمس وذكر آياتها فينا وأياديها علينا، كان بداعي توارد المعاني والانتقال الطبيعي من موضوع (الضحك) إلى تاليه (الشمس)
فالشمس بما ترسل إلى النفوس في الشتاء من إشراق، وما تشيعه في الوجوه من بشر، وما تبعثه إلى القلوب من حرارة، تعمل عمل الضحك في النفوس والأجسام. ومن هنا ما جوزت لنفسي أن افترض من انتقال الأستاذ بين الموضوعين انتقال توارد لا انتقال عفو
وأنا اعترف بأنني متأثر الأستاذ الكبير، متأثر به في كتابة هذا الفصل. فلولا موضوع الشمس الذي دبجت يراعته الساحرة ما كنت في الأرجح أفكر في موضوع (الشتاء) وأكتب فيه في هذا الفصل الذي يغرى بالاعتكاف والانكماش. ولولا طريقة الأستاذ في امتداح الشمس والتغزل بمحاسنها لكانت لي خطة تباين في الراجح هذه الخطة عند الكتابة في هذا الموضوع لو عينت يوماً أن اكتب فيه
والشتاء - كما لا بد انك تعلم - أقل فصول العام نصيباً من احتفال الشعراء والكتاب له. ومن هنا كان ما قيل فيه مدحاً وهو القليل، وذماً وهو الكثير، أقل لما جاء في الربيع أو الصيف أو الخريف مدحاً وثناء. ولعل ذلك لما يرين على النفوس في هذا الفصل من حرج الشتاء وضيق البرد مما يذود عن الشعراء أقل الشعر والنثر في التغزل بالشتاء ومدح القر. على أنني سأخرج على هذه القاعدة وامتدح الشتاء في فصل الشتاء عينه وإبان اشتداده وسورته غير العادية في هذا العام.
وأول ما نذكره للشتاء وغيومه المقطبة وبروقه الملعلعة ورعوده المقعقعة وغيثه المنهل وسيله الحادر ونهره الهادر، أنه فصل الأحياء والبعث في الطبيعة، وأنه محرك رواقد الأجنة وغوافي النبت، ثم هو مغذي الزرع وباعث الرزق ومحيي الضرع. ولعلة واضحة وسبب مقبول أن أشتق العرب الغيث من الغوث، إذ لولا الشتاء ما نبت نبت ولا تفتح زهر ولا اكتسى دوح ولا فاح عطر ولا غنى جدول ولا انبجس نبع ولا أورق عمود ولا أخضر ربع ولا أحصد زرع