ولدت سنتنا الهجرية الجديدة وا أسفاه في هذه الأيام التي اختبل فيها إنسان الغرب فزلزل جوانب الأرض على نفسه؛ وأبكم في فمه حجة العقل ووحي الضمير فلا يتكلم إلا بلسان النار، ولا يصول إلا ببأس الحديد؛ وراحت المنايا الرواعد تدكدك المدن والناس في فجوات القنابل، فلا ترى اليوم في بلاد الحرب غير مقبور أو منتظر، ولا في بلاد الحيدة غير مذعور أو حذر. ومفزع الشعوب في غشية هذه الخطوب الزعماء والقادة. فليت شعري إلى من يفزع العرب والمسلمون من هول هذه الساعة؟ لم يتح الله لهم بعد محمد وخلفائه زعيماً تجتمع عليه القلوب وترجع إليه الأمور في أقطارهم البعيدة ووجوههم المختلفة؛ وإنما ابتلاهم بالانقسام والفرقة حين ضلوا الطريق فكان في كل قطعة من الوطن الأكبر سرير وأمير، وتوزعت زعامة محمد في كل جيل وفي كل قبيل بين عشرات من الرجال العجاف، فكانت كالشعلة العظيمة الوهاجة تقطعت أقباساً كشموع الأطفال لا تقوى على نسم الريح ولا تظهر في حلك الليل!
تعالوا يا زعماء اليوم عانين خاشعين ألقي عليكم درساً من زعامة محمد! إن فيكم زعماء أحزاب، وليس فيكم زعيم أمة؛ أما هو فكان زعيم الإنسانية جمعاء
بلغتم مكان الزعامة الإقليمية عن طريق الحزبية أو الثروة أو القوة، ثم لم تستطيعوا أن تنسوا ضعف القميء الصغير الذي ارتفع على كواهل غيره؛ أما هو فقد بلغ الزعامة العالمية عن طريق الألم والفقر والغربة والجهاد؛ ثم جعل في عشر سنين من الرعاة الجفاة المشتتين على رمال القفر، أمةً متماسكة الأجزاء، متحدة الأهواء، متساندة القوى، متجانسة الطباع، بلغت رسالة الله وحكمت عامر الأرض ومدنت أكثر العالم
إنكم تكونون قبل الزعامة ناساً كالناس، ثم تصبحون بعدها آلهة كالآلهة، تنكرون الخاصة، وتزدرون العامة؛ ثم تمتازون فتدخلون بفضل المبادئ المزورة والمناصب المسخرة في دنيا النبلاء والأغنياء، وماذا بعد هذا؟ أما هو فقد ملك الحجاز واليمن، وجبى الجزيرة كلها وما داناها من العراق والشام، وظل ينام على فراش من أدم حشوه ليف، ويبيت هو وأهله الليالي طاوين لا يجدون العشاء، ويمكثون الشهر لا يستوقدون ناراً إن هو إلا التمر والماء، ويلبس الكساء الخشن والبرد الغليظ ويقسم على الناس أقبية الديباج المخوص بالذهب؛ فإذا أقبل على أصحابه فقاموا إجلالا له قال لهم: (لا تقوموا كما تقوم الأعاجم يعظم بعضهم