للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج:
ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

[القصص]

الصعلوك. . .

لجي دي موباسان

ترجمة الأستاذ أحمد عبد الرحمن

لقد عرف في حياته أياماً خيراً من هذه، على رغم ما به من عاهة وبؤس. كان قد فقد ساقيه وهو في الخامسة عشرة من عمره حينما صدمته عربة في شارع فارفي الكبير. ومنذ ذلك الحين وهو يطلب الصدقة ماضياً في الطرقات متنقلاً بين المزارع متكئا على عكازيه اللذين جعلا كتفيه يرتفعان إلى ما فوق أذنيه، فكانت هامته تبدو كأنها غائصة بين مرتفعين.

وإذ كان طفلاً لقيطاً قد عثر عليه راع يبيت في نفق، أمسية يوم الموتى فسماه معمده بهذا السبب نيقولا توسان. ثم كانت تربيته مما يجود به أهل الخير فنشأ بعيداً عن كل ثقافة مجرداً عن أية معرفة، قد جرى له هذا الحادث عقب شربه بعض أقداح من الزبيب قدمها إليها خباز القرية، وكان أضحوكة بين الناس ثم غدا ذلك الحين شريداً، فأنه لم يكن يحسن عملاً من الأعمال إلا أن يمد يده.

كانت البارونة أثاري فيما مضى قد تركت له إلى جانب حظيرة الدجاج بالمزرعة الملاصقة للدار كوخاً حقيراً مليئاً بالقش ينام فيه. وكان هو واثقاً في أشد الأيام مجاعة أنه واجد دائماً كسرة من الخبز وكوباً من شراب التفاح في المطبخ. وكثيراً ما كان يتلقى بعض الدريهمات من السيدة العجوز تلقيها عليه من أعلى الدرج أو من نوافذ حجرتها. أما الآن فقد ماتت هذه السيدة.

لم يكن يظفر بشيء في القرى. فلقد عرفه الناس جيد المعرفة وقد برموا به وعيوا بأمره منذ أربعين سنة وهم يرونه يتنقل ببدنه البشع وأثوابه المرقعة على أقدامه الخشبية بين الخرائب والأنقاض، ومع هذا فهو لم يكن يريد أن يبرح المكان. لأنه لم يكن يعرف على الأرض شيئاً غير هذه الزاوية من البلد، هذه القرى الثلاث أو الأربع التي قضى فيها حياته التسعة. لقد وضع حدوداً للأمكنة التي قد أعتاد أن لا يعدوها ألبته

كان يجهل ما إذا كان العالم يمتد إلى ما وراء الأشجار التي تحيط ببصره، ولم يكن يسائل

<<  <  ج:
ص:  >  >>