(. . . ورياضة للنفس بالتجرد، وثقافة للروح بالتأمل، وتوثيق لما وهن بين القلب والدين؛ وتقريب لما بعد بين الرافه والمسكين. . . ونفحة من نفحات السماء تفعم دنيا المسلمين بعبير الخلد وأنفاس الملائكة!. . . فالبيوت الباقية على العهد تتقرب إلى الله بالذكر والصدقات، والمساجد المقفرة طول العام تعج بالوعظ والصلوات. . . والمآذن الحالية بالمصابيح الشادية بالتسابيح ترسل في أعماق الأبد نور الله وكلمته!)
(الأستاذ أحمد حسن الزيات)
عن ابن مجير، قال: أصاب النبي صلى الله عليه وسلم جوع يوماً، فعمد إلى حجر فوضعه على بطنه، ثم قال:(ألا ربّ نفس طاعمة ناعمة في الدنيا، جائعة عارية يوم القيامة. ألا رب مكرم نفسه وهو مهين لها! ألا رب مهين نفسه وهو مكرم لها) فانظر - عافاك الله - إلى إنسانية سيد الخلق العليا، فهو يضرب أروع الأمثال لكي تتأسى به أمته من قبل ومن بعد. . . وهو الذي خير أن يكون له مثل (أحد) ذهباً فقال: (لا يارب، أجوع يوماً فأدعوك، وأشبع يوماً فأحمدك!) فالسواد الذي تراه في فقره صلى الله عليه وسلم هو السواد الحي، سواد الليل حول الروح النجمية الساطعة، كما يقول الرافعي الخالد. وبعد فالغرض الأسمى من صوم رمضان المبارك إن هو إلا العمل المصمم على إضعاف الحيوانية، وكسر شرة الهوى، وكفكفه النفس عن الشهوات والأهواء، بالحرمان والمجاهدة فتتحرر الروح من ربقة الأسر في الجسد، وتتطهر من الأدران المخجلة، وتسمو إلى مراتب الإيمان العالية. . . فتتهدى إلى جلال ربها، وتدرك ما كانت عليه من زيغ وغفلة، فتتذكر الموت وهوله، والقبر وسؤاله، والبعث وأهواله. . فتخشع وتخضع وترجع إلى طاعة ربها راضية مرضية. . .
ما لذة الأيام تتعاقب على استواء حالة واحدة؟. . . بل كيف يصنع المرء إزاء الدهر وتقلباته، وضرباته وهجماته. . . أن لم يتزود بذخيرة من الصبر والجلاد؟. . .
ولقد فاضت كتب الدين، وخطب المصقعين، تحض على التآلف والإخاء، والتمسك بأهداب الشرائع السماوية المقدسة، ولكن كل ما كان ويكون لها من أثر لا يقاس بأثر الردع