لم يتسع نطاق الحديث عن المرأة في عصر من العصور بقدر أتساعه في العصر الحاضر الذي يمكن أن يسمى بحق (عصر المرأة). ففي كل زاوية من زوايا المعمورة نشمُّ رائحة المرأة: شخصاً، أو موضوعاً، أو عاطفة، أو هدفاً. وبالجملة هي تشغل حيزاً كبيراً من تفكير الرجال وضمير المجتمع. وإذا كان كل شيء في ذاته قابلاً للمدح والذم فأن المرأة قد تفردت بالحصول على نهايتهما!
ولا عجب أن تحتل المرأة هذه المكانة العريضة، فإنها لم تعد محلاً لقضاء شهوة، أو سلعة تباع وتشتري، أو خادمة ذليلة، أو مواطناً لا حقوق له، أو حتى تمثالاً جميلاً يركع الرجل تحت قدميه؛ وإنما أصبحت الممثل اللاعب في حياة الرجل من وراء ستار، و (القالب) الفذ العميق الذي تتشكل فيه شخصية المجتمع، ويحمل أفراده ملامحه، وينطبع فيهم كل ما به من خير أو شر. ثم هي قبل كل شيء ما زالت - كما كانت منذ فجر البشرية - حجر الزاوية في الأسرة الإنسانية
ومن البدهي أن يعنى المفكر العصري بالكلام عن المرأة بعد إذ ظفرت بحقوق كثيرة، ووثبت هذه الوثبة الاجتماعية الكبيرة، وليبحث فيما إذا كانت قد جاوزت بذلك حدود طبيعتها، واعتدت على حقوق الرجل، وجنت في النهاية على نفسها وعلى غيرها أم لا؟ وأي الشرائع أهدى لها وأكثر اعتناء بها؟
ثم هل الشريعة الإسلامية قد حررتها وأعزتها وصانتها أم قضت بعبوديتها وأذلتها وابتذلتها!
المرأة في غير الشريعة الإسلامية
يروي لنا علماء الاجتماع أن الرجل، عند بدء الخليقة، كان يعيش عيشة الحيوان، يطوف في الأرض، ولا يعرف الأسرة بالمعنى الذي نفهمه. ويعتقدون أنه لم تكن له يومئذ أوضاع