للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج:
ص:  >  >>

[٤ - هكذا قال زرادشت]

للفيلسوف الألماني فردريك نيتشه

ترجمة الأستاذ فليكس فارس

خطب زرادشت

التحول في ثلاث مراحل

سأشرح لكم تحوّل العقل في مراحله الثلاث فأنبئكم كيف استحال العقل جملاً، وكيف استحال الجمل أسداً، وكيف استحال الأسد أخيراً فصار ولداً.

إنها لعديدة تلك الأحمال التي تثقل العقل الجَلْد الصليب الذي يتجلى الوقار فيه، فأن صلابته تتوق إلى الحمل الثقيل بل إلى الحمل الأثقل.

يفتّش العقل السليم عن أثقل الأحمال فينيخ كالجمل ظهره متوقعاً رفع خير حمل إليه. أن العقل السليم ينادي الأبطال قائلاً: أيّ حمل هو الأثقل لأرفعه فتغتبط به قوتي؟ أفليس أثقل الأحمال هو في الاتضاع لإنزال العذاب بالغرور؟ أفليس أثقلها أن يبدي الإنسان اختلالاً لتظهر حكمته جنوناً؟

أم أثقلها في تخليّ الإنسان عن مطلب حين يقترن هذا المطلب بالنصر، أم في ارتقاء قمم الجبال لتحدّي من يتحدّى؟

أم أثقلها في أن يتغذّى الإنسان بأقماع السنديان والأعشاب وبتحمّل مجاعة نفسه من أجل الحقيقة.

أم أثقلها في احتمال المرض وطرد العائدين المعزّين، أم في مخادنة الصمّ الذين لا يسمعون ولا يعون ما تريد؟

أم أثقلها في الانحدار إلى المياه القذرة إذا كانت الحقيقة فيها والرضى بملامسة الضفادع اللزجة والعقارب التي تقطر صديداً

أم أثقلها في محبة من يحتقرنا وفي مد يدنا لمصافحة شبح يقصد إدخال الرعب إلى قلوبنا. أن العقل السليم يحمل ذاته جميع هذه الأثقال المرهقة، وكالجمل الذي يسارع إلى طريق الصحراء عندما يرفع الوقر عن ظهره ليندفع هو أيضاً نحو صحرائه

<<  <  ج:
ص:  >  >>